قصة سيدنا ابراهيم
قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام كاملة للأطفال والكبار، حيث كان يلقَّب بالخليل أو خليل الرحمن وأبو الأنبياء وأبا الضيفان وهو الثاني من أولي العزم من الرُّسُل، وهو معروف في الديانات اليهودية والمسيحية باسم أفراهام واسم أبيه هو تارح أو تارخ حسب العهد القديم وفي الإسلام هو آزر الذي جاء في القرآن (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) الآية 74-سورة الأنعام.
يرى بعض المفسرين كذلك أن آزَر هو لقباً لتارخ. وقد ولد إبراهيم في أور بالعراق في عهد النمرود وهو أحد أبناء تارح (آزر) الثلاثة إبراهيم وناحور وهاران والأخير هو أبو النبي لوط وكان إبراهيم عمه ولا يعرف تحديداً تاريخ ميلاده.
قصة سيدنا ابراهيم عليه السلام
مكانته
ولإبراهيم عليه السلام مكانة عظيمة في الأديان السماوية الثلاثة حتى إنه يطلق عليها “الديانات الإبراهيمية” وديانته هي الحنيفية المنسوب إليها الأديان الثلاثة وهي الديانة التي كان عليها بعض العرب قبل الإسلام وتُعرف كذلك بملة إبراهيم التي ذُكرت في القرآن الكريم، قال تعالى: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). سورة آل عمران-الآية 95.
وأنزل الله عليه صحفاً باسم صحف إبراهيم ويقول أهل العلم عنها أنها كانت حِكَم ومواعظ وقد بلغت مكانة إبراهيم أن اتخذه الله خليلاً ومنه جاء لقبه، وكل الأنبياء والرسل من بعده جاءوا من نسلِه وهو أول من اختتن وعمره ثمانون عاماً وأول من ضيَّف الضيف وكان يمشي المِيل والمِيلَين بحثاً عمَّن يتغدى معه لذلك عُرف بلقب أبا الضيفان.
وقد ورد ذكر إبراهيم في القرآن الكريم 69 مرة منها 15 مرة في سورة البقرة باسم (إبرهم) وذُكرت قصة سيدنا ابراهيم في 35 موضعاً وله سورة باسمه هي السورة المكية رقم 14 في ترتيب سور المصحف وقصته كثيرة الأحداث وتتخللها الكثير من المواقف.
قومُه والأصنام
أما قوم سيدنا إبراهيم عليه السلام فكانوا يعبدون الكواكب ويصنعون لها أصناماً حتى أن والده آزر كان نجاراً ينحت ويصنع التماثيل ويبيعها على أنها أصنام لعبادتها وقد أنعم الله على سيدنا إبراهيم فآتاه رشده وهو صغير فكان يحنق على الأصنام ويبحث عن الإله الحقيقي.
وكما جاءت قصته في القرآن، كان ينظر إلى السماء فرأى كوكباً اعتقد أنه ربه فلما غرب واختفى رأى القمر أكثر ضياءً من الكوكب فظن أنه ربه ثم رأى الشمس بازغة وأكبر من القمر فظن أيضاً أنها ربه لكنها غربت كالباقيين حتى هداه الله إليه وأنزل عليه الوحي ودعاه إلى دعوة الناس إلى عبادته.
حاول سيدنا إبراهيم دعوة والده باللِّين إلى ترك الأصنام وعبادة الله فكان أن رفض وهدَّدَه بالرَّجم وأمره أن يفارقه وحاول إبراهيم مع قومه أيضاً فسألهم لماذا يعبدون ما لا ينفع ولا يضر؟ وكانت الإجابة المعتادة أنه دين آبائهم، فأخبرهم إبراهيم أنهم وآباؤهم من قبلهم في ضلال لكن قومه لم يصدِّقوه وصدُّوا عنه.
فأراد أن يقيم عليهم الحُجَّة فانتظر لمَّا غادروا المعبد الذي يعبدون فيه أصنامهم وجاء بفأس فحطَّم أصنامهم كلها عدا كبير الأصنام الذي علَّق الفأس عليه وانصرف وعندما حضر القوم في اليوم التالي صُدِموا لمَّا وجدوا أصنامهم محطمة وتساءلوا عمَّن يكون قد فعل ذلك بها، عندها شكُّوا في إبراهيم لما ذَكَرَه عن آلهتهم.
فأحضروه وسألوه: هل أنت من فعل ذلك بآلهتنا؟
فقال: إنما كبيرهم هو من فعل ذلك وها هي الفأس بين يديه، فَاسْأَلُوه.
وبذلك أقام إبراهيم عليهم الحجة فهم يعلمون أن الأصنام لا يمكنها أن تخاطبهم، فحاولوا بجهالة أن ينصروا آلهتهم فقرروا حرق إبراهيم على الملأ ولما جاءوا به وقبل أن يُلقوه في النار قال سيدنا إبراهيم: “حسبنا الله ونعم الوكيل” فجعل الله النار برداً وسلاماً عليه. قال تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيم). سورة الأنبياء-الآية 69.
فلم تمسسه النار بسوء ولم تحرق سوى وثاقه وقيل أنه ظل في النار أربعين أو خمسين يوماً حتى خرج منها ولم يقرب له قومه بعد ذلك والذين بهتوا من هذه المعجزة.
قصة سيدنا ابراهيم والنمرود
ومن أهم جوانب قصة سيدنا إبراهيم ، مناظرته مع النمرود بن كنعان ملك بابل الذي كان ملكاً جباراً ساد الأرض ثم ادعى الألوهية وكان أن رأى حلماً يطلع فيه كوكب فيحجب ضياءه نور الشمس، فسَّره له المنجِّمون أن هلاكه سيكون على يد ولداً يولد هذا العام.
فأمر بذبح كل الذكور في هذا العام وهو العام الذي ولد فيه سيدنا إبراهيم، إلا أن أمه استطاعت أن تخبئه فلم يصبه أذى، حتى شبَّ وكبُر وكان أن التقى النمرود فحاجَّهُ بشأن ربه وصفاته، فقال له إبراهيم: ربي يحيي ويميت.
فأَمَر النمرود بإحضار رجلين من السجن ثم أمر بقتل أحدهما وترك الآخر وقال لإبراهيم أنه بذلك يحيي ويميت فهو بذلك الفعل اعتقد أن بمقدوره أن يحكم على أحدهم بالموت فيموت ويعفو عن آخر فيعيش ويحيى. فذكر له سيدنا إبراهيم أن ربه يأتي بالشمس من المشرق فإذا كان حقاً هو إله فليأت بها من المغرب. فسكت النمرود ولم يقدر على أن يجيبه بعدما ألجمه.
وقيل إن سبب تلك المناظرة أن إبراهيم خرج طالباً طعاماً لأهله فقصد النمرود الذي كان يعطي الطعام للناس شريطة الاعتراف بربوبيته فوقعت هذه المناظرة وخرج إبراهيم من عنده بلا طعام وفي طريق عودته ملأ وعائيه على راحلته بالتراب عسى أن يُشغل أهله به فلما قَدِمَ إلى أهله وضع راحلته ودخل فنام.
فلما فتحت زوجته سارة الوعائين وجدت بهما طعاما ولما صحى إبراهيم من نومه وجد أنها صنعت طعاماً فسألها عن مصدره فقالت من عند الذي أحضرت منه الطعام، فعلم إبراهيم أنه رزق من عند الله.
أما النمرود فبعث له الله مَلَكاً يأمره بالإيمان فرفض ثم بعث الله له مرة ثانية فرفض وفي المرة الثالثة بلغ تجبُّره أن قرر محاربة الله وخرج بجيوشه في طلوع شمس اليوم التالي فسلَّط الله على جيوشه أسراباً من البعوض حجبت الشمس من كثرتها فما تركت أحداً من جُنده إلا كان عظاماً نخرة.
ودخلت بعوضة في أنف النمرود عاشت فيه مدة أربعمائة سنة حوَّلت حياة النمرود خلالها إلى جحيم فكان الله يعذبه بها وبلغ من شدة الألم أنه كان يُضرب بالمرزاب (الأحذية) فوق رأسه حتى هلك بها ومات وقد ذكرت بعض الروايات أن النار التي أُلقي فيها إبراهيم هي من صنيع النمرود بعدما غلبه إبراهيم في المناظرة.
قصة ابراهيم والطيور الأربعة
تطرَّق القرآن كذلك لذكر قصة سيدنا إبراهيم مع الطيور الأربعة، ومفادها أن إبراهيم رأى جيفة ميتة على شاطئ البحر تأكل منها سِباع البر ثم الطير ثم يدفعها الموج نحو البحر فتتغذى منها الأسماك.
فتعجَّب كيف يُحيِي الله هذه البهيمة التي تَوَزَّع لحمها في بطون كل هؤلاء وطلب من الله أن يُريه كيف يحيي الموتى ليطمئن قلبه، فأمره الله بذبح أربعة أنواع من الطير، اختلف العلماء في أسماء أنواعها فقيل ديكاً أحمر اللون وحمامةً بيضاء وطاووساً أخضر وغراباً أسود.
ثم قطَّعَهُم سيدنا إبراهيم إلى قطع صغيرة خلطها جميعاً ثم قسَّم هذا الخليط إلى أربعة أجزاء وأمسك برؤوسها في يده وجعل كل جزء على جبل كما أمره الله ثم أمره الله أن ينادي عليهم فقال إبراهيم “تعالين بإذن الله”.
فَسَرَت الرُّوح فيها بإذن الله وتجمَّعت أجزاء كل طائر على حدة وإبراهيم ناظراً إليها حتى جاءت إليه كل الطيور من غير رؤوسها وكانت هذه إحدى المعجزات الإلهية في قصة سيدنا إبراهيم ويقال إن هذا الحدث وقع بجبل مشهد الطير الإبراهيمي إحدى قمم جبل الشيخ بسوريا.
هجرة سيدنا ابراهيم
بعدما نجى إبراهيم من النار التي ألقاه فيها قومه، ارتحل إلى بلاد الشام ومعه زوجته سارة وابن أخيه لوط الذي آمن برسالته ومن ثمَّ آتاه الله النبوَّة وبعثه إلى سدوم، نزل إبراهيم في بلاد كنعان لكن القحط أصاب هذه البلاد فالتجأ إلى مصر.
وكان يحكمها فرعون يأخذ كل نساء الرجال التي تروق له غصباً ويضُمُّها إلى جواريه وكانت سارة ذات جمال فدعا فرعون إبراهيم للحضور عندما عرف أن معه امرأة جميلة وسأله عمَّن معه فقال إنها أخته حتى لا يكيد له ويستحوذ عليها.
وعندما أمر فرعون بإحضار سارة دعت الله أن يُنجيها منه فلما جاءت بسط لها يده فتحجرت فطلب منها أن تدعو ربها أن يُطلق يده ولا يضُرَّها ففعلت فبسط يده ثانية فتكرر الأمر فطلب منها أن تدعو ربها مجدداً ليحرر يده ففعلت فمد يده ثالثاً فتحجرت أيضاً وهنا وعدها ألا يقربها إذا أطلق الله يده فدعت الله أن يُطلق يده فأعطاها هاجر جارية لها والتي رحلت معها إلى بلاد الشام.
كانت سارة عاقراً لا تنجب فأهدت هاجر لإبراهيم ليتزوجها عسى أن يُنجب منها، فأنجب منها إسماعيل عليه السلام وهو في عمر السادسة والثمانين، لكن لم تلبث أن دبَّت الغيرة في قلب سارة، فخرج إبراهيم بهاجر وإسماعيل قاصداً مكة المكرمة ثم تركهما بوادي غير ذي ذرع امتثالاً لأمر الله.
وصبرت هاجر راضية بقضاء الله وواثقة أن لن يضيعها وطفلها ولما نفذ الماء الذي معها وبدأ الطفل في البكاء أخذت تبحث عن الماء يميناً وشمالاً حتى فجر الله لها عين زمزم فسقت طفلها وارتوت وسكنت بجوارهم قبيلة تسمى جُرْهُم ولما شب إسماعيل تزوج منها.
وفي إحدى الأيام زار إبراهيم نفرٌ من الملائكة على هيئة بشر وهو لا يعرفهم فذبح لهم عجلاً سميناً وقدمه لهم لكنه تعجب من ضيوفه لمَّا وجدهم لا يأكلون وخشى منهم فطمئنوه ألَّا يخشى شيئاً وأنهم ملائكة من عند الله في طريقهم إلى قوم لوط لإهلاكهم كما بشروه أن زوجته سارة ستلد له ولداً اسمه إسحاق.
خَشِيَ إبراهيم على ابن أخيه لوط لكن الملائكة أخبرته أنه لن يصيبه سوء هو وأهله فيما عدا زوجته الكافرة وقد أنجبت سارة إسحاق وهي بعمر الخامسة والستين وإبراهيم بعمر المئة وقيل أن إبراهيم تزوَّج مرتين من بعد وفاة سارة، من واحدة تدعى قطورة أنجبت له ستة من البنين وأخرى تدعى حجورا وقد قابله النبي ﷺ في السماء السابعة خلال رحلة الإسراء والمعراج.
أمر الله إبراهيم ببناء الكعبة في مكة المكرمة أول بيت وضع في الأرض ليَعبد الناس فيه الله وكانت الملائكة أول من بنتها ثم سيدنا آدم لكنها هُدمت خلال طوفان نوح، فكان إسماعيل يجمع الحجارة وإبراهيم يبني قواعدها فلما ارتفع البناء وضع إبراهيم تحته حجراً عُرف لاحقاً بمقام إبراهيم وبه آثار قدميه وكان إبراهيم وإسماعيل يدعوان الله خلال البناء قائلين: “رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”. الآية 127-سورة البقرة.
ولما فرغا من بنائها، نزل جبريل ليُعلِّم إبراهيم مناسك الحج ثم أُمِرَ إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج وقد توفي إبراهيم بعد عودته من مكة عن عمر 175 عاماً ودفن بمغارة المكفيلة وهي المغارة التي دفنت فيها زوجته سارة ومن بعدهما إسحاق ويعقوب وبُنِيَ فوق هذه المغارة مسجد الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بفلسطين والتي سُمِّيَت على لقب سيدنا إبراهيم.
ونستخلص من قصة سيدنا ابراهيم العبرة والموعظة في الصبر على الأذى والثقة بالله وتوحيده وحسن عبادته فهو خير حافظ كما نجد الكثير من الدروس عن الصبر في كل قصص الأنبياء والرسل ونستذكر منها قصة سيدنا أيوب عليه السلام وصبره على البلاء والمرض، ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم من كل مكروه.
نرجوا منك عزيزي القارئ مشاركة هذه القصة مع أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة على الجميع