قصة سيدنا محمد

قصة سيدنا محمد

قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

قصة سيدنا محمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين أرسل إلى العالمين كافة لعبادة الله على منهج التوحيد وإعلاء كلمة لا إله إلا الله، جاء مبشراً بدين الإسلام، الدين المكمل لليهودية والمسيحية وبكتاب جديد هو القرآن وقد بشَّر به النبي عيسى بن مريم من قبل، وهو نبي ورسول من أولِي العزم وزعيم سياسي واجتماعي وقائد عسكري وحَّد شبه الجزيرة العربية كلها في دولة واحدة وبعد وفاته تمددت الدولة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها وحالياً يعتنق الإسلام أكثر من مليار وتسعمائة مليون نسمة حول العالم بنسبة 24.9% من سكان الأرض (إحصائية 2020م) وهو أسرع الأديان انتشاراً وثاني أكبر ديانة على الأرض بعد المسيحية بحسب عدد المعتنقين.

في كتابه “الخالدون المئة” اختار مايكل هارت النبي محمد على رأس قائمة الخالدون التي جمعها لتأثيره الكبير في الديانة الإسلامية ولنجاحه على المستوى الديني والدنيوي، يُعظِّم المسلمون النبي محمد ويلحقوه دائماً بصيغة (صلى الله عليه وسلم) ويستذكرون مولده من كل عام حسب التقويم الهجري.

 

أصل اسمه

قصة سيدنا محمد المتعلقة بسبب تسميته بهذا الاسم تعود إلى أن اسم محمد مشتق من حمد بمعنى شكر وحمد ولغوياً يعني الشخص المحمود حمداً كثيراً ومن مشتقات الاسم: أحمد ومحمود وحامد وحميد وقد بشَّر النبي عيسى عليه السلام بالنبي محمد باسم أحمد، كما جاء في قوله تعالى: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ). (الصف-5).

واسم محمد أحد أكثر الأسماء انتشاراً بين المواليد حول العالم وبحسب الإصدار السادس من موسوعة كولومبيا لسنة 2000م يعتبر اسم محمد الأكثر شيوعاً في كل دول العالم، حيث حمل نحو 150 مليون شخص اسم محمد وقد ذكر القرآن اسم النبي محمد صريحاً أربع مرات وله سورة باسمه هي السورة المدنية رقم 47 كذلك فإن سورتي المزمل والمدثر تحمل اسمين من صفاته وورد اسم محمد في الآيات القرآنية التالية:

  • (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ) آل عمران-144.
  • (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) الأحزاب-40.
  • (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الفتح-29.
  • (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ) محمد-2.

 

أسماء سيدنا محمد وألقابه

أسماء سيدنا محمد: محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب وكما جاء في الحديث الشريف عن جبير بن مطعم عن النبي أنه قال: “لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب”. (صحيح البخاري).

أما اسم طه ويس فليسا من أسماء النبي ولا من صفاته وهي من الحروف المتقطعة التي تأتي في بداية بعض السور مثل: الم وكهيعص.

ألقاب سيدنا محمد : الصادق الأمين (أيام الجاهلية)، أبو الطيب، نبي التوبة، نبي الرحمة، نبي المرحمة، نبي الملحمة، الرحمة المهداة، سيد ولد آدم، حبيب الرحمن، المختار، المصطفى، المجتبى، صاحب الشفاعة والمقام المحمود، صاحب التاج والمعراج، إمام المتقين، سيد المرسلين، خاتم النبيين، النبي الأُمي، شفيع الأمة، رسول الله، الرسول الأعظم، السراج المنير.

كناية سيدنا محمد : أبو القاسم وهو ابنه الأكبر من خديجة بنت خويلد.

صفات النبي محمد : الشاهد، المبشر، البشير، النذير، المدثر، المزمل، المذكر، النور، المعصوم.

 

نسب الرسول محمد وعائلته

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وأمه هي آمنة بنت وهب الزهرية القرشية.

وهو ينتسب إلى بني هاشم بن عبد مناف أحد بطون قبيلة قريش والتي تنتسب بدورها إلى النضر بن كنانة وفي حديث مسلم عن النبي : “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم”. وقد كان جده عبد المطلب أحد سادات قريش.

وكان له من الأعمام خمس عشر عماً هم: الحارث والزبير والعوام وقثم والغيداق والمقوم وأبو طالب وحمزة وضرار والعباس وعبد الكعبة وحجل وعبد العزي (أبو لهب) وصفار، إضافة إلى ست عمات هن: صفية وعاتكة وأروى وأميمة وبرة وأم حكيم البيضاء.

كما كان للنبي خال واحد هو عبد يغوث بن وهب وخالتين هما الفريعة وفاختة بنت عمرو الزهرية وجدته لأبيه هي فاطمة بنت عمرو وجدته لأمه هي برة بنت عبد العزى.

 

مولده

قصة سيدنا محمد بدأت منذ أن ولد في فجر يوم الاثنين 12 ربيع الأول لسنة 53 قبل الهجرة الموافق ليوم 22 أبريل 571 من السنة الميلادية في مكة من عام الفيل وهو العام الذي حاول فيه أبرهة الحبشي هدم الكعبة فخرج بجيش من اليمن يتقدمه فيل نحو الكعبة، لكن الله أرسل عليه وعلى جيشه طيراً أبابيل رمتهم بحجارة فأهلكتهم.

ويستذكره المسلمون من كل عام بذكرى ميلاده “المولد النبوي الشريف” وقد سبق مولد النبي رؤية رآها جده عبد المطلب ففزع منها، فجاء كاهنة قريش لتفسرها له فأخبرته أنه سيخرج من صلبه رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس وفي الليلة التي ولد فيها النبي رأى كسرى ملك الفرس أو الموبذان كما تسميه العرب (إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم).

ووقعت عدة حوادث منها ارتجاس إيوان كسرى وسقوط أربعة عشر شرفة منه وخمود نيران فارس وغاضت بحيرة ساوة ولما بعث كسرى في من يفسر له ذلك، علم أنه سيخلفه أربعة عشر ملكاً ثم تُقضى مملكته ويُضاف إلى معجزات مولد النبي النور الذي ملأ الدار وانتكاس الأصنام حول الكعبة وارتجاج عرش ملك الروم.

تولَّت الشفاء بنت عوف بن الحارث أم عبد الرحمن بن عوف ولادة النبي، الذي ولد فيما يُعرف باسم شعب أبي طالب في الدار التي عُرفت باسم دار بن يوسف وكان وحيد أمه وأبيه ولم يكن له أخوة وقد توفي والده عبد الله قبل أن يولد وأمه تحمل به في شهرين وذلك وهو في طريقه إلى بلاد الشام للتجارة حيث مرض في الطريق وأقام في المدينة شهراً ثم توفي عن 25 عام ودفن بها.

 

نشأته

قيل أن النبي ولد مختوناً بينما ذكر البعض أن جده عبد المطلب ختنه في اليوم السابع لولادته وأنه أقام وليمة لذلك وقد حمله وذهب به إلى الكعبة وهو يشكر الله وأسماه محمداً ولما سأله الناس عن سبب التسمية قال: أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض.

ويُذكر في قصة سيدنا محمد أن ثويبة الأسلمية كانت أول من أرضعه قبل أن يعطيه عبد المطلب إلى حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب لإرضاعه وهي من بني سعد من قبيلة هوازن وليقيم معها في البادية مع أخوته في الرضاعة عبد الله والشيماء وأنيسة أبناء حليمة (أمه في الرضاعة) وزوجها الحارث بن عبد العزي (أبيه في الرضاعة).

حيث كانت البيئة الصحراوية آنذاك أفضل للرُضَّع وعرف عن أهلها فصاحتهم في اللغة وقد أرضعت حليمة أيضاً ابن عم النبي أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ويُعد عمه حمزة وابن عمته برة بنت عبد المطلب أبو سلمة بن عبد الأسد من إخوته في الرضاعة لأنهما رضعا من ثويبة أيضاً.

شبَّ النبي في أرض بني سعد حيث حلَّت عليهم بركاته، فقد كانت أرضهم جدباء وماشيتهم هزيلة فلما جاءت به حليمة، انتشر الكلأ في مراعيهم وامتلأت ضروع أغنامهم باللبن ولما أتم النبي عامه الثاني، استأذنت حليمة أمه آمنة ليبقى معها لتعلُّقها به ولخوفها عليه من وباء حل بمكة، فأذنت لها وظل النبي عند حليمة يزور أهله كل عام.

ولما أتم ست سنوات، توفيت أمه وهي في طريقها إلى يثرب لزيارة بعض أقاربها هناك ودفنت بمنطقة تسمى الإبواء وتولى جده عبد المطلب كفالته وتوفي لما أكمل النبي ثمان سنوات، فتولى كفالته حينها عمه أبي طالب وكان عبد المطلب قد أوصى به لابنه أبي طالب لما حضرته الوفاة كونه الشقيق الوحيد لعبد الله (أبو النبي) من أم واحدة.

في كل أحداث قصة سيدنا محمد المتعلقة بطفولته لم يُر له في صغره أي فعل يمُت للجاهلية فلم يسجد لصنم أو يقدِّم له قرباناً ولم يُعرف عنه كذبة كذبها وقد عُرِف عنه صدقه وأمانته حتى لُقِّب بالصادق الأمين وكان عمله الأول رعى الغنم في شعاب مكة فلما أكمل اثنتي عشر سنة خرج مع عمه أبي طالب للتجارة في بلاد الشام سنة 582م.

ولما نزلت قافلته ببصرى جنوب الشام قابله راهب يدعى بحيري تعرف على النبي فحذَّر أبي طالب من اليهود لو أنهم عرفوا أمر الغلام الذي معه لقتلوه ونصحه بالعودة إلى مكة فرجع أبو طالب إلى مكة سريعاً وقد كان اليهود ينتظرون مجيئه وتذكر حليمة السعدية أن اليهود كانوا يعرفونه إذا رأوه ويحرضون بعضهم على قتله حتى أنها كانت تخفيه.

ثم خرج النبي للشام مرة أخرى في 595م وهو في سن الخامسة والعشرين، بعدما أشار إليه عمه أبي طالب أن يخرج للتجارة لدى السيدة خديجة وكانت قد ورثت عن زوجها السابق ثروة كبيرة، فخرج النبي بقافلتها إلى بصرى يصحبه ميسرة غلامها فباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون من قبل ولما عادت القافلة أخبرها ميسرة بما رأى من علامات نبوَّة النبي وبما ربحوه.

أعجبت السيدة خديجة بأخلاق النبي وأمانته وعرضت عليه الزواج فتزوَّجها وأنجبت له البنين والبنات وقد تكفل النبي برعاية ابن عمه علي بن أبي طالب في بيته لما وجد كثرة الأولاد لديه ولم يكن أبو طالب ثرياً، فنشأ علي في بيت خديجة كما نشأ أيضاً الزبير بن العوام وكانت خديجة بمثابة عمته، كذلك تبنَّى النبي زيد بن حارثة وكان أهل مكة يسمونه زيد بن محمد حتى أبطل القرآن عادة التبني.

لما بلغ النبي سن الخامسة والثلاثين شارك في تجديد الكعبة في سنة 605م وذلك قبل نزول الوحي بخمس سنوات ويُذكر أن القبائل اختلفت حول من يعيد الحجر الأسود إلى مكانه واتفق سادتها على أن يحكم بينهم أول رجل يدخل من باب بني شيبة فكان النبي محمد أول من دخل فاحتكموا إليه.

وقصة سيدنا محمد في هذا الحدث الهام كانت تتسم بالحكمة إذ بسط النبي ردائه ووضع عليه الحجر ثم طلب من رؤساء القبائل أن يمسك كل منهم طرف الرداء ويحملوا الحجر إلى مكانه، فاستحسنوا رأيه ولما وصلوا إلى موضعه الصحيح حمله هو بيده الشريفة ووضعه في مكانه. وقد عاش النبي 52 سنة من حياته في مكة قبل الهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة).

 

حياة العرب في الجاهلية

قبل البعث كان العرب عدة قبائل بدوية متناحرة بينما استقر بعضها في عدة مدن مثل مكة ويثرب والطائف وكان عملهم الأساسي الرعي والزراعة والتجارة وكانت آخر حروبهم قبل الإسلام حرب الفِجار (580م–590م) والتي شهدها النبي وهو في سن الرابعة عشر وانتهت بالصلح وهو في سن العشرين، يُطلق على هذه الفترة مصطلح الجاهلية والذي شمل أيضاً جميع الأمم التي اتخذت من دون الله إلهاً.

كانت العرب تعبد الأصنام حينها والتي أعاد عبادتها عمرو بن لحي وكان أول من غيَّر دين إبراهيم وهو الحنيفية وانتشرت عبادة الأصنام حتى أصبح لكل قبيلة صنم خصصوه لإله أو إلهة معينة ويُذكر أن أشهرها وأعظمها كانت اللات والعزى ومناة التي ورد ذكرها في القرآن إضافة إلى أصنام ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر التي ذُكرت في القرآن أيضاً وكان حول الكعبة 360 صنماً بحسب ما رواه بن العباس عند فتح مكة بينما بقي بعض العرب على الديانة الحنيفية وكان هناك وجوداً لليهود والنصارى في شبه الجزيرة العربية.

وانتشرت بين العرب بعض العادات السيئة مثل شرب الخمر والميسر ووأد البنات والذبح على الأنصاب والاقتراع والقسم بالأزلام والربا وحرمان النساء من ميراثهن والتعصب للقبلية والتفاخر بالأنساب مما أشعل الحروب بينهم، كذلك كانت القبائل تغير على بعضها ولما جاء الإسلام أبطل كل ذلك إضافة إلى غيرها من العادات الباطلة وذلك لم يمنع أنه كان لدى العرب بعض العادات الحميدة مثل الكرم ونجدة المظلوم والوفاء بالوعود، كذلك عرف عنهم براعتهم في الفروسية والشجاعة وقول الشعر وفصاحتهم اللغوية.

التزم العرب أيضاً بعدم القتال في الأشهر الحرم (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم ورجب) وكراهية القتال فيها، لكن بعض القبائل لم تلتزم بذلك دائماً ولما وضعت حرب الفِجار أوزارها بشهر، عقدت عشائر قريش فيما بينها حلفاً اسمه حلف الفضول تعاهدوا فيه أن يردوا مظلمة أي أحد يظلم في مكة وقد شهد النبي هذا الحلف وهو في العشرين من عمره وقال فيه وفق رواية عبد الرحمن بن عوف “لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعيت به في الإسلام لأجبت” (فقه السيرة).

 

نزول الوحي

قصة سيدنا محمد مع الوحي كانت تقترب أكثر فأكثر حين كان النبي يختلي بنفسه خلال شهر رمضان المبارك في غار حراء متعبداً ومتأملاً وهو غار يقع في جبل النور على طرف مكة ولما بلغ الأربعين من عمره في 17 رمضان الموافق 6 أغسطس 610م نزل عليه الوحي عن طريق جبريل عليه السلام بقول: “اقرأ” وقد كررها جبريل مرتين والنبي يرُد: ما أنا بقارئ، وفي الثالثة قال جبريل:

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5). من سورة العلق. الآيات 1-5.

وهي أول ما نزل من القرآن في سورة العلق وعاد النبي من غار حراء وهو يرتجف وذكر الأمر لزوجته خديجة فبعثت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ليحضر وكان حنيفياً على دراية بكتب التوراة والإنجيل كما أخبر عنه ولما ذُكر له ما جرى مع النبي، شهد له بالنبوة ويُذكر أن الوحي انقطع عن النبي حينها لمدة أربعين يوماً وقيل ستة أشهر ثم تتابع بعد ذلك لمدة ثلاث وعشرين سنة حتى وفاة النبي وهي فترة البعثة النبوية.

 

الدعوة النبوية إلى الإسلام

بدأت دعوة النبي إلى الإسلام بعد نزول آيات سورة المدثر بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4). إيذاناً ببدء الدعوة الاسلامية، فكان أول من آمن به من الرجال والنساء على حد سواء زوجته خديجة وأول من آمن به من الرجال أبو بكر الصديق ومن الصبيان علي بن أبي طالب وكان عمره عشر سنوات ومن الموالي زيد بن حارثة ومن العبيد بلال بن رباح.

كذلك كانت أم أيمن بركة بنت ثعلبة الحبشية حاضنة النبي ومربيته من أوائل من آمن بدعوته وقد انقسمت الدعوة النبوية إلى فترتين الأولى سرِّية واستمرت ثلاث سنوات وكانت بين أهل بيته وأصحابه ويُذكر أن حصيلتها كانت إسلام أربعين شخص وكان النبي يجتمع بأوائل المسلمين في البداية ببيت خديجة ثم كان يجتمع بهم في دار الأرقم بن الأرقم لما ازداد عددهم وذلك ليُعلِّمهم أمور دينهم.

أما الفترة الثانية فكانت الدعوة فيها جهرية تنفيذا لقوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ). الشعراء-214، فصعد النبي فوق جبل الصفا وخطب في قومه علانية بأنه نذيراً لهم بعذاب شديد إن لم يؤمنوا بالله فما كان من عمه عبد العزي إلا أن قال له: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزل فيه قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ). فسُمي أبو لهب.

ركزت دعوة النبي في البداية على الوحدانية لله ونبذ عبادة الأصنام وتحذير المشركين من مغبَّة عبادتهم لها، قِلَّة قليلة فقط هي من تبعت النبي من قريش وكان أغلبهم من المستضعفين بينما سخرت قريش من النبي وتجاهلوا دعوته في البداية.

 

معارضة قريش

عندما اكتسبت الدعوة النبوية زخماً في مكة وازداد أتباع الديانة الجديدة، بحيث شكلوا تهديداً داخلياً للقبائل المحلية وسادات المدينة، الذين ترتكز ثرواتهم على الحج السنوي إلى الكعبة المشرفة، حاول بعض القادة البارزين والمؤثرين في قريش التوصل إلى اتفاق مع النبي مقابل التخلي عن دعوته.

فعرضوا عليه أن يشاركهم في تجارتهم ودخوله في دائرتهم المقربة من التجار وتزويجه من بناتهم فصدهم النبي عن ذلك ولما يئسوا من تثنيته عن دعوته، عرضوا عليه أن يعبدوا إلهه (حسب وصفهم) سنة وأن يعبد آلهتهم سنة، لكن كل وسائل الإغراء لم تجدي معهم نفعاً فلجأوا إلى التهديد والوعيد ظناً منهم بانهم سينجحوا في انهاء قصة سيدنا محمد ودعوته للدين الاسلامي وتوحيد الله سبحانه وتعالى.

وتصاعدت وتيرة العنف والاضطهاد ضد المسلمين خاصة العبيد، كانت البداية بالتعرض للمسلمين في صلواتهم وتعذيب العبيد والضعفاء لعل أشهر ذلك ما جرى مع بلال بن رباح وآل ياسر، كذلك تعرض النبي نفسه للأذى لكنه كان محمياً نوعاً ما كونه من بني هاشم ولدفاع عمه أبي طالب عنه

وكان عمه أبي لهب من أشد المشركين بُغضاً للإسلام وكراهية له وكانت زوجته أم جميل تضع الشوك في طريق رسول الله وحرَّض أبو لهب ابنيه عتيبة وعتبة على طلاق زوجتيهما من بنات رسول الله، فطلق عتيبة أم كلثوم وطلق عتبة رقية والتي تزوجها عثمان بن عفان ولما توفيت تزوج من أختها أم كلثوم.

مَثَّل إسلام عمر بن الخطاب تحولاً لدى المسلمين الذين جهروا بصلاتهم علانية، في حين صعَّدت قريش إيذائها للمسلمين مع رفض بنو هاشم تسليم النبي إليهم لقتله، فاتفق سادتها على مقاطعة بني هاشم وحصارهم في شعب أبي طالب وكتبوا ذلك في صحيفة علقوها في جوف الكعبة ونصت المقاطعة على ألا يناكحوهم وألا يكلموهم ولا يبيعون أو يشتروا منهم وغيرها من أشكال التعامل حتى يُسلم بنو هاشم النبي محمد إليهم واستمر هذا الحصار ثلاث سنوات حتى أكلت الأرضة صحيفة المقاطعة بأمر الله فانتهى الحصار وخرج بنو هاشم إلى بيوتهم.

 

الهجرة الى الحبشة

قصة سيدنا محمد مع ملك الحبشة بدأت لما اشتد إيذاء قريش للمسلمين، ودعاهم النبي إلى الهجرة إلى أرض الحبشة لأن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد كما وصفه النبي وهو أصحمة النجاشي وذلك في السنة الخامسة من البعثة النبوية في 615م ويُعرف ذلك الحدث باسم الهجرة الأولى وكان أوائل المهاجرين أحد عشر رجلاً وأربع نسوة يرأسهم عثمان بن مظعون ومنهم عثمان بن عفان وزوجته ابنة الرسول رقية.

وقد أقاموا حتى جاءهم خبر بإسلام أهل مكة فعاد بعضهم ليجد أن ذلك ليس صحيحاً ومن ثمَّ رجع بعضهم إلى الحبشة ومنهم من دخل مكة مستخفياً وأذن لهم النبي بالهجرة مرة أخرى إلى الحبشة فخرج هذه المرة ثلاثة وثمانين رجلاً وتسع عشر من النسوة يرأسهم جعفر بن أبي طالب وقد حاولت قريش استرجاعهم من عند النجاشي بإرسالها وفداً مُحمَّلاً بالهدايا يترأسه عمرو بن العاص.

إلا أن النجاشي رفض تسليمهم بعدما استمع إلى كلام جعفر بن أبي طالب فيما يخص أمرهم ورد وفد قريش خائباً وعاد من تبقى من المسلمين في الحبشة بعد غزوة خيبر في 7 هجرية والنجاشي هو الوحيد الذي صلى عليه النبي صلاة الغائب لما علم بوفاته.

 

رحلة الطائف

تُوفي عم النبي أبي طالب في السنة الثالثة قبل الهجرة الموافق 619م ثم لحقته زوجة النبي خديجة في نفس العام فسُمِّي “عام الحزن” لشدة حزن رسول الله على فراق عمه وزوجته وكان حينها في الخمسين من عمره ولما توفي عمه وناصِرُه الذي كان يتصدى لأذى قريش، خرج النبي قاصداً الطائف التي تسكنها قبيلة ثقيف ملتمساً نصرتها وداعياً أهلها إلى الإسلام. خرج النبي مشياً على قدميه وظل بها عشرة أيام يدعوا سادتها إلى الإسلام فلم يجبه أحد ولما ضاقوا به، سلَّطوا عليه سفهاؤهم فأخذوا يرجموه بالحجارة حتى أدميت قدماه.

لجأ النبي إلى حائط بستان عتبة وشيبة بن ربيعة اللذين رقَّا لحاله فبعثا غلاماً لهما يُسمى عداس وكان نصرانياً بقطف من عنب، أكل منه النبي بعد أن سمى الله وقد أسلم عداس لما علم من نبوة محمد وعاد النبي حزيناً بعدما لم يستجب أحداً لدعوته ونزل عليه جبريل يأذنه في أن يطبق جبلي الأخشبين على مكة إن شاء ولكن النبي أراد أن يخرج من أصلاب أهل مكة من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ولما وصل النبي مكة أجاره المُطعم بن عُدَي وبعث بولده يحرسونه فذهب إلى الكعبة حيث صلى ركعتين ثم انصرف.

 

رحلة الإسراء والمعراج

قصة سيدنا محمد ليلة الإسراء والمعراج هي حدث وقع قبل الهجرة لكن يُختلف حول تاريخه تحديداً والذي يتركَّز حول ثلاثة أقاويل: ليلة 27 رجب سنة 3 قبل الهجرة، ليلة 17 رمضان سنة 2 قبل الهجرة أو في 17 ربيع الأول سنة 1 قبل الهجرة ويُقصد بالإسراء الرحلة التي قطعها الرسول بين مكة والمسجد الأقصى على ظهر دابة اسمها البراق.

والمعراج هي الرحلة التي قطعها النبي للصعود من الأرض إلى السماء ثم عُرج به إلى فوق سبع سموات حتى وصل إلى سدرة المنتهى (رحلة المعراج) وسدرة المنتهى شجرة سدر عظيمة في السماء السابعة وجذورها تمتد إلى السماء السادسة ورأى الجنة والنار كما رأى بعض الأنبياء في السموات السبع وعدد من الشواهد.

جاءت رحلة الإسراء والمعراج للتهوين عن النبي بعد وفاة عمه وزوجته وبعد ما لاقى من أذى في رحلة الطائف وقد اصطحب جبريل عليه السلام النبي في رحلته من المسجد الحرام ولما وصل إلى المسجد الأقصى صلَّى بنفر من الأنبياء، ثم قدم له جبريل إناءين، أحدهما فيه لبن والآخر يحوي خمراً، فأخذ النبي إناء اللبن وشربه، فقال جبريل: هُديت الفطرة. ثم بدأت رحلة المعراج بارتقاء النبي من الأرض للسماء.

قابل النبي في السماء الأولى (الدنيا) آدم عليه السلام وفي السماء الثانية يحيى وعيسى وفي الثالثة يوسف وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادسة موسى وفي السابعة إبراهيم عليهم السلام ثم وصل إلى سدرة المنتهى ومن بعدها قابل ربه حيث فرضت على أمته خمسون صلاة في البداية ولما رجع النبي محمد وقابل موسى سأله عن عددها فلما أجابه، طلب منه أن يسأل ربه تخفيفها وظل في كل مرة يرجع فيها النبي يطلب موسى منه تخفيفها حتى وصلت إلى خمس صلوات هي عدد الصلوات التي فُرضَت على المسلمين.

لما أخبر النبي قريش برحلته كذبوه، كما ارتد بعض من أسلموا من ذوي الإيمان الضعيف، بينما تحدته قريش أن يصف بيت المقدس وهي تعلم أن النبي لم يزره من قبل، فتمثل له بيت المقدس، فما سأله أحدهم عن ركن فيه إلا وصفه ولم يستطع أحد أن يرد عليه ويُذكر أن أبا بكر لما علم بالأمر صدق النبي فوراً، لذلك لُقِّب بأبي بكر الصديق.

 

بيعة العقبة

كان النبي يعرض دعوته على قبائل العرب التي تأتي مكة للحج، فأسلم به ستة رجال من قبيلة الخزرج من يثرب وعادوا إلى المدينة ينشرون دعوة النبي بين أهلها وفي العام التالي، حضر اثنا عشر رجلاً فبايعوا النبي على الإسلام في مكان يسمى العقبة في منى وسُمِّيَ ذلك “بيعة العقبة الأولى”.

وبعث النبي معهم مصعب بن عمير يُفقِّههم في شؤون دينهم ويعلمهم القرآن وكان أن أسلم سعد بن معاذ وكان سيد قومه فلم يبق داراً في يثرب إلا وأسلم أهله، ثم عاد مصعب بن عمير ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتين من قبيلتي الأوس والخزرج بايعوا النبي فيما عرف باسم “بيعة العقبة الثانية”.

 

الهجرة إلى المدينة

بعدما بايع المسلمون في يثرب النبي على نصرته وحمايته مع المسلمين من أهل مكة (لذلك لقبوا بالأنصار)، أذن النبي للمسلمين بالهجرة إلى يثرب (فسُمُّوا بالمهاجرين) وقد هاجر أغلبهم سراً في الليل خوفاً من بطش قريش تاركين وراءهم ديارهم وأموالهم، بينما بقي أبو بكر وعلي بن أبي طالب مع النبي وأولئك الذين لم يستطيعوا الخروج من مكة ولما علمت قريش بأمر خروج المسلمين عزمت على قتل النبي قبل خروجه أيضاً.

اجتمع سادات قريش في دار الندوة واتفقوا على اختيار شاب من كل بطن من بطون قريش لقتل النبي فإذا قتلوه تفرَّق دمه ولم يستطع بنو هاشم أن يأخذوا بثأره ويُقاتلوا قبائل قريش بأكملها ومن ثم يقبلوا ديَّته، لكن جبريل أوحى للنبي بخبرهم، فأوصى علياً أن يبيت بفراشه ثم خرج على مشركي قريش الذين يقفون على عتبة داره والذين أعمى الله أبصارهم عنه فلم يروه.

وأخذ النبي يحثو التراب فوق رؤوسهم وهو يقرأ سورة يس ولما ارتد بصرهم دخلوا بيت رسول الله وجدوا علياً في فراشه بينما ذهب النبي إلى دار صاحبه أبي بكر الصديق وخرجا على راحلتين جهزهما أبو بكر للسفر وكان النبي قد أمر علي بالتخلف في مكة حتى يرُد الأمانات التي في داره إلى أهلها ثم يلحق به في يثرب.

لجأ النبي وصاحبه إلى غار ثور وأقاما به ثلاثة أيام، خلال تلك المدة كان عبد الله بن أبي بكر ينقل أخبار قريش إليهما ليلاً وكانت أسماء بنت أبي بكر (ذات النطاقين) تحضر لهما الطعام بينما كان مولى أبي بكر، عامر بن فهيرة يطمس آثار الأقدام المؤدية إلى الغار بغنم أبي بكر التي يرعاها وقد تعرض أبو بكر الصديق للدغ من ثعبان كان يسكن أحد شقوق الغار التي سدَّها أبو بكر بقطع من ثوبه فيما عدا ذلك الشق الذي يسكنه الثعبان، فتحمل الألم خوفاً من أن يوقظ رسول الله.

كان رجال قريش قد وصلوا إلى الغار فوجدوا العنكبوت قد خط شباكه على مدخله كما سكنت حمامتين أمام المدخل فظنوا أنه لم يدخل أحد هذا الغار من قبل وانصرفوا وبعد إتمام ثلاثة أيام خرج النبي مع أبي بكر إلى يثرب وكان دليلهما عبد الله بن أريقط ومعهم عامر بن فهيرة ولما فشلت قريش بالإمساك بالنبي وضعت مكافأة مئة ناقة لمن يُدلي بمكانه أو يرده إليهم.

وبينما النبي ومن معه في الطريق إلى يثرب، تعرض لهم سراقة بن مالك يريد أن يأسر نبي الله ويرده فدعا النبي عليه فغاصت قوائم فرسه في الرمال، هنا طلب بن مالك من النبي الأمان مقابل أن يرد من يلقاه في طريقه عن تتبع النبي ففعل.

وصل النبي بعد رحلة دامت ثمانية أيام إلى قباء أحد أحياء يثرب التي بنى فيها أول مسجد في الإسلام وأقام بها أربعة أيام ثم أكمل مسيره حتى دخل يثرب التي تحول اسمها إلى المدينة المنورة أو مدينة الرسول في 12 ربيع الأول الموافق 27 سبتمبر 622م واستقبله أهل المدينة بنشيد طلع البدر علينا وبنى مسجداً في المكان الذي بركت فيه راحلته وهو المسجد النبوي حالياً،

ويرى بعض المؤرخين أن أول مساجد بُنيت في العالم هي المساجد التي بناها المسلمون المهاجرون الأوائل في الحبشة، منها مسجد الصحابة الذي شُيِّد في مصوع (في إريتريا حالياً) سنة 620م.

اتخذ عمر بن الخطاب من هذا الحدث تقويماً إسلامياً يُعرف بالتقويم الهجري في 17 هجرية ويحتفل المسلمون كل عام برأس السنة الهجرية في 1 محرم والذي يعتبر عطلة رسمية في بعض الدول بجانب المولد النبوي الشريف.

 

إدارة الدولة الناشئة

عندما استقر النبي في المدينة بدأ من فوره في تنظيم شؤونها، فآخى بين المهاجرين والأنصار وأمر بكتابة صحيفة المدينة التي اعتبرت بمثابة دستور ينظم العلاقات بين سكان المدينة من مهاجرين وأنصار ويهود وغيرهم وفيها سُمح للجميع بممارسة شعائرهم مع دفاع الجميع عن المدينة إذا تعرضت لخطر.

ومع ذلك كان اليهود من بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع ومعهم المنافقين الذين يظهرون إسلامهم ويبطنون كفرهم أمثال عبد الله بن أبي بن سلول يشكلون خطراً على الدولة الإسلامية الناشئة وكانوا يتحالفون سراً مع قريش وينقلون أخبار المسلمين إليهم وكان على النبي التصدي لمؤامراتهم وقد أُجلي قبائل اليهود عن المدينة جراء خيانتهم التي برزت خلال غزوات النبي مع قريش خاصة غزوة الأحزاب، تحالف النبي أيضاً مع القبائل المجاورة لحماية المدينة من أي أخطار خارجية.

ولما أذن الله للمسلمين بالقتال خرجوا يعترضون قبائل قريش التي استولت على أموالهم في مكة وقررت قريش الخروج للقضاء عليهم والتقى الجمعان عند بئر بدر خارج المدينة حيث وقعت معركة بدر الكبرى في 17 رمضان 2 هـ (13 مارس 624م) وبالرغم من قلة عدد المسلمين وعدتهم فقد حققوا انتصاراً كبيراً، أصبح أول نصر عسكري في الإسلام، غنم فيه المسلمون مغانم كثيرة وقويت شوكتهم وأصبحت لهم مهابة في الجوار.

على أن قريش عادت في العام التالي حيث وقعت معركة أحد والتي انهزم فيها المسلمون لمخالفة الرماة الذين يحرسون مؤخرة الجيش أمر رسول الله فنزلوا من جبل أحد ليجمعوا الغنائم بعدما ظنوا أن قريش انهزمت وولَّت الأدبار، لكن خالد بن الوليد ولم يكن قد أسلم بعد لما رأى نزولهم عاد بجيش قريش واستطاع هزيمة المسلمين وفي هذه المعركة أصيب النبي وأشيع أنه قتل كما استشهد فيها عمه حمزة بن عبد المطلب الذي قتله وحشي بن حرب.

وفي السنة الخامسة من الهجرة عزمت قريش بإيعاز من بني النضير الذين أجلاهم النبي عن المدينة، استئصال المسلمين في عقر دارهم فخرجوا ومن معهم من حلفائهم في جيش كبير بلغ عشرة آلاف ولما علم النبي استشار أصحابه وكان مبدأه الشورى في أمور الدولة الإسلامية وأشار سلمان الفارسي إلى حفر خندق حول المدينة فاستحسنوا رأيه وحفروا الخندق في ستة أيام.

فسميت الغزوة غزوة الخندق وتسمى أيضاً غزوة الأحزاب وحاصرت قريش المدينة حصاراً شديداً فلم يستطيعوا أن يقتحموها وحاول بنو قريظة إدخال جيش قريش المدينة عبر بيوتهم لكن هذا المخطط فشل، حتى أرسل الله ريحاً قوياً اقتلعت خيام المشركين فرحلوا عن المدينة دون تحقيق أي نتائج.

وفي السنة التالية خرج النبي معتمراً مع أصحابه إلى مكة، مُحرمين لا محاربين وأرادت قريش منعه فأرسل لهم النبي عثمان بن عفان مفاوضاً واتفق الطرفان على صلح عُرف بصلح الحديبية كان من بنوده عودة محمد وأصحابه إلى المدينة وقدومهم للعمرة في العام التالي وهدنة مدتها عشر سنوات وإتاحة الحرية للقبائل لمن يريد الدخول في حلف قريش أو حلف النبي وعدم الاعتداء عليها وأن يرد المسلمون من يأتي إليهم من قريش مسلماً بينما لا ترد قريش من يأتي إليها من المسلمين مرتداً.

وبالرغم من أن كثير من المسلمين اعتبروا بعض شروط الصلح مجحفة فقد قبلوا به وبعد توقيع الصلح غزا النبي يهود خيبر نتيجة أعمالهم العدائية واستغل فترة الهدنة مع قريش فأرسل رسله الذين بلغ عددهم خمسة عشر سفيراً إلى الملوك والحكام من حوله ليدعوهم إلى الإسلام وتفاوتت ردود أفعالهم.

فقد أسلم النجاشي ملك الحبشة ومزق كسرى ملك فارس رسالة النبي فدعا عليه بزوال حكمه واتخذ المقوقس حاكم مصر موقفاً دبلوماسياً فأرسل هدية للرسول عبارة عن جاريتين هما ماريا القبطية وأختها سيرين لكنه لم يُسلم كذلك فعل هرقل قيصر الروم في حين أسلم الكثير من ملوك وحكام اليمامة والبحرين وعمان واليمن.

وتعرض شرحبيل بن عمرو الغساني عامل الروم على البلقاء لسفير الرسول الحارث بن عمير الأزدي فقتله بينما كان في طريقه إلى حاكم بصرى وهو ما أدى إلى غزوة مؤتة في 9 هجرية، يورد المؤرخون المسلمون أن أول من أسلم من ملوك العجم هو باذان الفارسي حاكم عدن وصنعاء من قبل الفرس وكان إسلامه في السنة السادسة من الهجرة.

 

فتح مكة

نقضت قريش صلح الحديبية بأن أعانت بنو بكر في الإغارة على قبيلة خزاعة وقتل عدد من رجالها وهي من حلف الرسول، بعد هذه الواقعة أرسل الرسول إلى قريش إما أن يدفعوا دية القتلى وإما أن يتبرأوا من بني بكر وإما يلغوا صلح الحديبية فأجابوه إلى المطلب الأخير وسرعان ما أدركوا خطأهم فأرسلوا أبو سفيان لتجديد المعاهدة لكن النبي رفض وخرج بجيش قوامه عشرة آلاف مقاتل في 8 هـ -630م وسار إلى مكة فدخلها بدون قتال يُذكر وأمَّن أهلها على أرواحهم وعفا عنهم ثم طاف بالكعبة وحطَّم الأصنام حولها وصعد بلال بن رباح فوق الكعبة يؤذن للصلاة، كان من نتائج فتح مكة الذي يسمى بالفتح الأعظم دخول قريش في الإسلام.

أدى بروز المسلمين كقوة كبرى في المنطقة إلى تحالف قبيلة هوازن وثقيف ضد المسلمين لكن هذا التحالف انهزم في غزوة حنين ثم حاصر من فر منهم في مدينة الطائف وجلى عنها لما طال الحصار وكانت آخر أعماله العسكرية الكبرى في 9 هجرية وهي غزوة تبوك لتأمين الحدود الشمالية للدولة الإسلامية، بعدها حضر وفد من قبيلة ثقيف التي تتحصن في الطائف لقبول شروط النبي واعتناق الإسلام وتوالى حضور الوفود من جميع القبائل التي تعلن طاعتها ودخولها في الإسلام فيما سُمِّيَ عام الوفود.

 

حجة الوداع

في5 ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة، خرج النبي على راحلته “القصواء” ومعه مئة ألف من المسلمين قاصداً الحج واستخلف على المدينة أبا دجانة الساعدي الأنصاري وكان هذا الحج هو الأول والأخير له فقد توفي النبي في العام التالي لذلك وسُمِّي هذا الحج حَجَّة الوداع وقد سبقه أداء عمرتين ومن فوق جبل عرفة ألقى النبي خطبة الوداع التي ذكر فيها ما يُحَل وما يُحرَّم وأوصى المسلمين بنبذ عادات الجاهلية والتمسك بدينهم.

 

وفاة الرسول ﷺ

بعد أشهر قليلة من حج الوداع، مرض النبي وعانى لعدة أيام من الحمى وصداع الرأس والضعف. وتوفي بعد 13 يوم من مرضه في يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ الموافق 8 يونيو 632م عن عمر يناهز 62 عاماً في منزل زوجته عائشة ودفن بحجرتها وأصبح أبو بكر الصديق أول خليفة للمسلمين من بعده.

 

وصف الرسولﷺ

لعل أبلغ وصف للنبي هو ما ذكرته أم معبد التي نزل النبي مع أصحابه بخيمتها خلال هجرته إلى يثرب، فقالت تصفه لزوجها:

“إنه رجل ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلقة، لم تزر به صعلة ولم تعبه ثجلة، وسيماً قسيماً، في عينيه دعج وفى أشفاره عطف وفى عنقه سطع وفى صوته صحل وفى لحيته كثافة، أحور أكحل، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هدر وكأن منطقه خرزات نظم تنحدر، ربعة لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه العين من قصر، غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظراً وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفند”.

 

معجزات الرسول

ذكر العديد من صحابة رسول الله الكثير من المعجزات التي ذكرت خلال قصة سيدنا محمد، على أن أهم هذه المعجزات تركزت حول القرآن الكريم وقصة سيدنا محمد في رحلة الإسراء والمعراج وانشقاق القمر له والأخيرتين ورد ذكرهما في القرآن الذي يعد أعظم معجزة للنبي وهو معجزة لكل العصور بخلاف معجزات الأنبياء الآخرين التي اقتصر حدوثها خلال فترة حياتهم.

 

غزوات الرسول وسراياه

يُقصد بالغزوة في عهد رسول الله تلك التي خرج فيها النبي بجيش المسلمين سواء حارب فيها أو لم يحارب، أما السرية فهي التي خرج فيها أحد أصحاب النبي قائداً على جيش المسلمين وهذا التفسير بخلاف المعنى الاصطلاحي للغزو والسرية عسكرياً، جاءت هذه الغزوات والسرايا دفاعاً عن المسلمين من خطر قريش والقبائل المختلفة التي أرادت التآمر عليهم ولاسترداد أموالهم التي نهبها مشركو قريش.

قصة سيدنا محمد مع الغزوات والحروب من أجل نشر الدين الاسلامي كثيرة، وتراوحت غزوات النبي بين تسع عشر وواحد وثلاثين غزوة، حيث اعتبر بعض المؤرخين الغزوات القريبة زمنياً إنما غزوة واحدة وكانت أولى غزوات النبي هي غزوة الإبواء في السنة الثانية من الهجرة وآخرها غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة أما السرايا فكانت أكثر بكثير ولم تشمل على قتال في الغالب.

وبلغ مجموع كلاً من الغزوات والسرايا ما يقارب المئة أو يتجاوزها، فيما يذكر بعض المؤرخين أن عدد السرايا بلغ 47 سرية وكانت أول سرية هي سرية حمزة بن عبد المطلب بعد سبعة أشهر من الهجرة، خرجت لتعترض قافلة لقريش لكن لم يحدث قتال وقد انتهى معظم الغزوات والسرايا بانتصار عسكري أو دبلوماسي للمسلمين مما أدى إلى توطيد حكم المسلمين خاصة بعد فتح مكة بحيث وحَّد النبي شبه الجزيرة العربية في دولة واحدة قبل وفاته والغزوات هي:

  • 2 هـ: الإبواء (ودان)، بواط، العشيرة، بدر الأولى (سفوان)، بدر الكبرى، بني سليم، بني قينقاع، السويق.
  • 3 هـ: ذي أمر، بحران، أحد، حمراء الأسد.
  • 4 هـ: بني النضير، نجد، بدر الآخرة.
  • 5 هـ: دومة الجندل، الخندق، بني قريظة.
  • 6 هـ: بني لحيان، ذي قرد، صلح الحديبية، بني المصطلق.
  • 7 هـ: خيبر، عمرة القضاء، ذات الرقاع.
  • 8 هـ: مؤتة (برغم أنها سرية لكنها تصنف ضمن الغزوات)، فتح مكة، حنين، الطائف.
  • 9 هـ: تبوك.

 

زوجات الرسول وأبنائه

تزوج النبي اثنتا عشر مرة وتُعرف زوجات النبي باسم أمهات المؤمنين منهم ست من قريش وواحدة من بني إسرائيل وواحدة قبطية من مصر وتوفَّت منهن اثنتان إبَّان حياته وشهدت سنة 7 هجرية زواجه من أربع نساء وكان له سبعة من الأبناء، ثلاثة ذكور وأربع إناث وقد توفي كل أبنائه فيما عدا فاطمة خلال حياته وزوجاته هن:

1- خديجة بنت خويلد: أولى زوجاته ولقبها أم المؤمنين، تزوجت النبي في سن الأربعين بينما كان سنه خمسة وعشرين سنة وذلك قبل 28 سنة من الهجرة وكانت أول من آمن به من الرجال والنساء وأول من أنجب له الذكور والإناث وهي أم كل أبنائه فيما عدا إبراهيم وتوفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات في مكة وعن أبي هريرة أن النبي قال: “خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران وابنة مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد”. ولم يتزوج النبي عليها خلال فترة حياتها وأبنائها من الرسول هم:

– القاسم: أول أبناء النبي وبه يُكنى ولد قبل بعثة النبي في مكة حوالي سنة 598م وتوفي قبل أن يتم عامه الثاني وقيل عاش سنتين وكان أول من توفى من أبناء النبي. 

– عبد الله: أسماه النبي على اسم أبيه عبد الله بن عبد المطلب، لُقِّب بالطيب والطاهر وقد ولد في مكة بعد البعثة النبوية في سنة 611م وتوفي صغيراً بعد عامين من ولادته.

– زينب: أكبر بنات النبي ولدت قبل البعثة النبوية بعشر سنوات في مكة سنة 600م وتوفيت بالمدينة سنة 8 هجرية.

-رقية: ولقبها ذات الهجرتين لهجرتها إلى الحبشة مع زوجها عثمان بن عفان ثم إلى المدينة، ولدت قبل البعثة بسبع سنوات في مكة سنة 603م وتوفيت في المدينة خلال غزوة بدر في 2 هجرية.

– أم كلثوم: ولدت قبل البعثة بست سنوات في مكة سنة 604م وتزوجت من عثمان بن عفان بعد وفاة أختها رقية وتوفيت سنة 9 هجرية.

– فاطمة الزهراء: ولدت قبل البعثة بخمس سنوات في مكة سنة 605م وتزوجت من ابن عم النبي علي بن أبي طالب وتوفيت في المدينة في 11 هجرية بعد وفاة النبي.

 

2- سودة بنت زمعة: تزوجها النبي بعد وفاة خديجة قبل الهجرة بثلاث سنوات وبعد وفاة زوجها بعد عودتهم من الحبشة وتوفيت سنة 54 هجرية.

3- عائشة بنت أبي بكر: هي ابنة أبي بكر الصديق والوحيدة التي تزوجها النبي وهي بكر، تزوجها النبي في 2 هجرية بالمدينة المنورة بعد غزوة بدر، عُرف عنها برواية الكثير من الأحاديث النبوية وتوفى النبي في حجرتها ودفن بها كما دفن بها أبي بكر وعمر وتوفيت عائشة سنة 58 هجرية.

4- حفصة بنت عمر: هي ابنة عمر بن الخطاب، تزوجها النبي في المدينة بعد وفاة زوجها من أثر جروح أصابته في معركة أحد في 3 هجرية وتوفيت في المدينة سنة 41 هجرية.

5- زينب بنت خزيمة: تزوجها النبي في 3 هجرية بعد استشهاد زوجها في معركة بدر وتوفت بعد ذلك بوقت قصير في 4 هجرية فكانت ثاني زوجة تتوفى خلال حياة النبي من بعد خديجة.

6- أم سلمى: ذُكر أنها أول امرأة هاجرت إلى الحبشة من المسلمات، تزوجها النبي في 4 هجرية بعد وفاة زوجها من أثر جرح أصابه من معركة أحد وتوفيت بالمدينة في 61 هجرية وكانت آخر زوجات النبي وفاة.

7- زينب بنت جحش: تزوجها النبي في 5 هجرية بعد طلاقها من زيد بن حارثة وتوفيت في 20 هجرية.

8- جويرية بنت الحارث: وكان اسمها في الأصل برة، سباها النبي في غزوة بني المصطلق التي قُتل فيها زوجها في 5 هجرية ثم تزوجها وهي في سن العشرين وتوفيت في 50 هجرية.

9- أم حبيبة: هي بنت أبو سفيان بن حرب وأخت الخليفة الأُموي معاوية بن أبي سفيان تزوجها النبي بعد وفاة زوجها في 7 هجرية وتوفيت في المدينة سنة 44 هجرية.

10- صفية بنت حيي بن أخطب: سباها النبي ثم تزوجها بعدما قتل زوجها في غزوة خيبر في 7 هجرية وتوفيت في 50 هجرية.

11- ميمونة بنت الحارث: كان اسمها برة أيضاً فغيَّرَه النبي إلى ميمونة وقد تزوجها في 7 هجرية وتوفيت في 51 هجرية.

12- مارية القبطية: آخر زوجة للنبي، بعث بها المقوقس حاكم مصر مع أختها سيرين هدية إلى النبي وقد تزوجها في 7 هجرية وأنجبت له ابناً اسمه إبراهيم في 8 هجرية وقد توفي أيضاً في حياة النبي وعمره عامين، بينما توفيت مارية القبطية في 16 هجرية فكانت أولى نساء النبي لحاقاً به.

 

صحابة الرسول

يعرف صحابة الرسول من المهاجرين والأنصار باسم الصحابة وهم مناصروه ومرافقوه والمدافعين عنه ومن حملوا راية الإسلام من بعده وانتشروا في الأمصار مجاهدين وناشرين لدين الله وناقلين لسيرة وقصة سيدنا محمد كاملة، وقد ذُكر أن عددهم تجاوز مئة ألف ممَّن حضروا معه حجة الوداع ولعل أشهرهم العشرة المبشرون بالجنة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح.

قد يعجبك أيضاً
أكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك، ويمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت. حسناً قراءة المزيد