صلاة الاستخارة
صلاة الاستخارة هي إحدى الصلوات المسنونة الثابتة عن رسول الله ﷺ والتي أكَّد على فضلها في أحاديثه الشريفة ولها الكثير من الفوائد التي تعود على المسلم بما ينفعه في دينه ودنياه، وبما يجعله على صلة قوية بالله سبحانه وتعالى لأن الاستخارة تُطلب من الله تعالى في المقام الأول وهي صورة من صور التوحيد.
تعني الاستخارة في اللغة طلب الخيرة في الشيء، ذلك أن المسلم إذا صلَّى هذه الصلاة فإنه يطلب من الله تعالى أن يُرشده ويدُلَّه إلى الخير، وهذا من معاني العبودية العظيمة، حيث يفوِّض المسلم أمره إلى الله تعالى ويعلن أنه عاجز عن اختيار الخير، لأنه لا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
ما هي صلاة الاستخارة؟
صلاة الاستخارة من الصلوات المسنونة للمسلم إذا ما أقدم على أمر من الأمور، وتُصلَّى ركعتين في أي وقت ويدعو المسلم بدعاءٍ بعدها والذي سيأتي ذكره لاحقًا، ويُشترط لهذه الصلاة الشروط نفسها التي يجب توفرها للصلاة المفروضة فلا بُدَّ من الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة.
غير أن صلاة الاستخارة تصح في أي ساعة من ليل أو نهار اللَّهم إلا الأوقات التي يُكره الصلاة فيها، وهذه الأوقات هي: ما بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس وارتفاعها بقدر رُمح، ووقت الزوال عندما تتوسط الشمس السماء، والفترة التي تقع بعد صلاة العصر إلى الغروب، ولا بُدَّ كذلك أن تشتمل هذه الصلاة على أركان الصلاة المعروفة.
كيفية صلاة الاستخارة
لصلاة الاستخارة كيفية معينة ثابتة عن رسول الله ﷺ وهي أن يُصلِّي المسلم ركعتين من غير الفريضة، ويدعو بالدعاء التالي بعدهما أي بعد التسليم من الصلاة:
ويكون دعاء الاستخارة بعد التسليم من الصلاة، وقد روى هذا الحديث الصحابي الجليل جابر بن عبد الله بن حرام (رضي الله عنهما) الذي ذكر أن النبي ﷺ كان يُعلِّم الصحابة الاستخارة كما يعلِّمهم السورة من القرآن الكريم، وفي هذا دلالة عظيمة على فضلها وأهميتها بالنسبة للمسلم.
وبالنظر إلى هذا الدعاء فإنه يحوي كل معاني التسليم واللجوء لله سبحانه وتعالى، وذلك في أمور المعاش والمعاد، وهذا الدعاء فيه طلب من الله تعالى أن يُيَسِّر الخير للعبد، وأن يصرف عنه السوء، وهذه درجة عالية من درجات العبودية وقول الحمد لله على كل شيء.
وقد استحب العلماء أن يقرأ المُصلِّي في الركعة الأولى من صلاة الاستخارة سورة الكافرون، وأن يقرأ في الركعة الثانية سورة الإخلاص، لما فيهما من التجرُّد الكامل من كل حول وطول للعبد واللجوء؛ إلى حول الله وقوَّته وطوله، كما أنهما يشتملان على معاني التوحيد الخالص والعبادة الكاملة لله سبحانه وتعالى والبراءة من الشرك والكفر وأهلهما.
لماذا نصلِّيها؟
من الثابت أن الإنسان قد يتعرض لمواقف يحتاج فيها إلى أخذ قرار حاسم، وما أكثر المواقف التي تعتري الإنسان في حياته، ونحن لا نقول أن الاستخارة تقتصر على الأمور العظيمة فقط، بل تشمل كل ما يريد الإنسان أن يصل فيه إلى الخير ولو كان أمرًا يسيرًا من وجهة نظر البعض.
وقد ثبُت أن النبي ﷺ قال إن المسلم يسأل ربَّه حتى في شسع نعله، وربما يبدو هذا من الأمور اليسيرة، لكن سؤال الله في هذه الأمور دليل على التعلُّق بالله سبحانه وتعالى واللجوء إليه في جميع الحالات، وهذه مرتبة عظيمة من مراتب العبودية وكمال الذُّل للرب سبحانه وتعالى، وتأتي هذه الصلاة لتحقق هذا المعنى العظيم.
وعلى هذا فهي تكون لطلب الخير في الأمور العظيمة والتي دونها، فإذا أقدم المسلم على الزواج مثلا فإنها ستكون سبيلًا لمساعدته على وصوله إلى الخير والصواب، وإذا أقدم على السفر فعليه أن يُصلِّيها ليصل إلى الخير وإذا أراد أن يمضي في تجارة أو عمل أو ما شابه فعليه أن يلجأ لهذه الصلاة لاختيار الخير له.
وهكذا في كل خطوة يخطوها المسلم، ولا بُدَّ من الإشارة إلى أن صلاة الاستخارة تضمن استقامة العبد وسعادته والبُعد عن عادات الجاهلية التي ربما يكون فيها ما يناقض التوحيد كاللجوء للعرَّافين والكهنة والمُنجِّمين والسَّحرة ولا شك أن الذهاب لهؤلاء وتصديقهم يطعن في إيمان العبد، والاعتماد على صلاة الاستخارة يمنعه من ذلك.
فيمَ تكون
ولا بُدَّ من الإشارة كذلك إلى أن صلاة الاستخارة تكون في الأمور المباحة أو الأمور المندوبة، والأمور الواجبة عند تعارض بين واجبين أو مندوبين أو مستحبَّين ويحتاج العبد لاختيار أحدهما فيصلِّيها في هذه الحالة، أما الأمور الواجبة أو المستحبة التي لا يحتاج العبد للاختيار بينها فلا يُصلِّي فيها هذه الصلاة.
فعلى سبيل المثال لا يجوز للإنسان أن يصلِّيها من أجل أن يُخرج زكاة ماله أم لا، وكذلك لا يجوز له أن يُصلِّيها لفعل أمر من الأمور المحرَّمة، لأنه لا يجوز له فعل المحرَّم أصلًا فضلًا عن أن يصلِّيها من أجل اختياره، فالله سبحانه وتعالى لا يأمر بالمنكر ولا يرضاه.
كيف تُعرف نتيجة صلاة الاستخارة؟
لا شك أن المسلم إذا صلَّى الاستخارة فإنه يسعى للوصول إلى الخير وربما يُصلِّيها البعض مرة ومرتين وثلاث ولا يجد نتيجة لها، وربما يعتقد البعض أن نتيجة الاستخارة قد تظهر على شكل رؤيا يراها في منامه أو إشارة من الله سبحانه وتعالى، لذلك يجب تبيان كيفية معرفة نتيجتها.
وأعظم علامة يعرف الإنسان من خلالها نتيجة هذه الصلاة أن يجد الأمر الذي سعى إليه مُيسَّرًا ويجد الطُّرق إليه سهلة، كما أن من علاماتها أن يجد الإنسان في نفسه انشراح صدر وطمأنينة قلب وسعادة على فعل الشيء، فتكون بذلك قد أرشدته على أن هذا الأمر خير له.
أما إذا وجد الأمر الذي يريده متعذرًا صعب الوصول إليه، أو إن وجد في نفسه ضيقًا وعدم رغبة في إتمام الأمر فإن هذا يعني أن الاستخارة تُرشده إلى ترك هذا الأمر لأن الخير ليس فيه، ومن الجدير بالذِّكر أن هذه علامات قد تحصل للبعض دون البعض الآخر.
وإذا صلَّاها الإنسان ووجد أنه لم يستطع تحديد ما تُرشده إليه، فليُصلِّ مرة أخرى وثلاث وأربع حتى يصل إلى الاختيار الصائب فإن وجد في نفسه ضيقًا بعد ذلك فليعلم أنها ترشده إلى ترك الأمر، ولا يُشترط أن تكون نتيجتها على شكل رؤيا يراها.
تفويض الأمر لله تعالى
وختامًا فلا بُدَّ من أن يَصدُق العبد ربه في صلاة الاستخارة ولا يعتبرها أشبه بعمل روتيني، ذلك أن البعض قد يُقدم عليها دون أن يكون لديه عزم على تفويض الأمر لله تعالى لاختيار الخيرة له، وفي غالب الأمر فإنها لا تُؤتي ثمارها مع الشخص الذي يتعامل معها على هذا الأساس، أما إذا أقبل العبد على ربِّه وفوَّض الأمر إليه وسأله بخشوع وتبتُّل وذُل أن يرشده إلى الخير، فإن الله تعالى رحيم بعباده يرشدهم إلى ما فيه صلاحهم في المعاد والمعاش.