أركان الصلاة
أركان الصلاة هي الأعمدة التي تقوم عليها فريضة الصلاة، ولذا فإن معرفتها والإلمام بها يعد من الأهمية بمكان لكل مسلم، وذلك لكي يؤدي صلاته بطريقة صحيحة. وكلمة الأركان هناك جمع ركن، ويطلق الركن لغةً على الجانب الأقوى من الشيء، ولذا عرَّف العلماء أركان العبادة اصطلاحًا بقولهم: ما تتركَّب منه العبادة، ولا تصح دونه. وعلى ذلك تكون أركان الصلاة هي ما يتركب من وجوده ماهية الصلاة.
ومن الأمور التي يجب أن نَعِيها أولًا أن السُّنَّة لم تُقسم العبادة إلى أركان وسنن وواجبات، ولكن هذا التقسيم قد استخلصه العلماء من خلال الأدلة الشرعية والنصوص الشرعية الواردة فيها، وهذا التقسيم يساعد طالب العلم على فهم المسألة بشكل أدق، ويفيد القراء وعامة المسلمين في أن يتعلموا طريقة عبادتهم على النحو الصحيح.
أركان الصلاة
للصلاة عدة أركان، وهي:
القيام
ركن القيام يكون في الصلاة المفروضة، وهو أول أركانها، ويدل عليه قوله تعالى: “وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ” (سورة البقرة: 238)، وكما قال الرسول ﷺ: “صَلِّ قائمًا، فإنْ لم تَستطِعْ فقاعدًا، فإنْ لم تَستطِعْ فعلى جَنب“. (رواه البخاري: 1117). ولذا فإن العلماء قد اتفقوا على أن القيام في صلاة الفرض فرض على المستطيع، قال ابن هبيرة: “اتفقوا على أن القيام في الصلاة المفروضة فرض على المطيق له، وأنه متى اخلَّ به مع القدرة عليه لم تصح صلاته”. (الإفصاح 1/122).
وهناك حالات تستثنى من وجوب القيام في صلاة الفرض كذلك، وهي: (المريض، والعريان، العاجز عن القيام لسبب من الأسباب مثل الحبس أو الخوف، المأموم إذا كان يصلِّي خلف الإمام العاجز عن القيام). ويستثنى من وجوب القيام مَن كان يصلي نفلًا حتى لو كان قادرًا على القيام، فقد كان النبي ﷺ يصلي بعض صلاة النفل قاعدًا، قالت عائشة رضي الله عنها: “وَكانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا، وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا”. (رواه مسلم: 730).
تكبيرة الإحرام
وتأتي بعد ركن القيام، وهي التكبيرة التي يدخل بها المسلم في صلاته، ودل على وجوبها حديث رفاعة بن رافع عن النبي ﷺ: “إذا قمتَ إلى الصلاةِ فتوضأْ كما أمركَ اللهُ، ثم قمْ فاسْتقبلِ القبلةَ، ثم كبِّرْ“. (صحيح الجامع، الألباني، 740). أما بقية تكبيرات الصلاة الأخرى فليست بركن، ولا يكون ركنًا من بينها تكبيرة الإحرام.
قراءة فاتحة الكتاب
وهو قول جمهور العلماء، فقراءة سورة الفاتحة ركن من أركان الصلاة، وفي حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: “لا صلاةَ لمَن لم يَقرَأْ بفاتِحةِ الكتاب“. (صحيح البخاري).
الركوع
وهذا هو الركن الرابع، ودل عليه قول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا” (سورة الحج: 77). وما جاء في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: “إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة… ثم أركع حتى تطمئن راكعًا” (متفق عليه). وذكر ابن حزم الإجماع على ذلك فقال: “واتفقوا على أن الركوع فرض” (مراتب الإجماع، ص 26).
الاعتدال من الركوع والرفع منه
على القول الراجح والله أعلم أن الركوع والاعتدال منه من أركان الصلاة، ودل على ذلك نص حديث أبي هريرة السابق ذكره: “ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا …” (متفق عليه). وحديث: “لا تُجزِئُ صَلاةٌ لا يقيمُ الرَّجُلُ فيها صلبَه في الرُّكوعِ والسُّجودِ ” (حلية الأولياء: 8/119).
السجود
قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا” (سورة الحج 77)، ويفهم من الحديث السابق: “ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا“.(متفق عليه)، أن السجود ركن من أركان الصلاة، ونقل الإجماع على أن السجود ركن أساسي. ولا بد للسجود أن يكون على الأعضاء السبعة: (الجبهة وخاصة الأنف، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين).
الاعتدال من السجود
أي الرفع من السجود، ويدخل من ضمنه الجلسة بين السجدتين.
الجلوس بين السجدتين
والقول الراجح عند العلماء هو وجوب الاعتدال من السجود وأن يجلس المصلي بين السجدتين.
الطمأنينة في كل ركن من الأركان
وهو الاطمئنان في تأدية الأركان، والسكون عند القيام بها، وإعطاء الوقت المناسب لها، دون تسرع أو استعجال يُنسي العبد ما يقوله في صلاته. قال ابن تيمية رحمه الله: “الركوع والسجود في لغة العرب لا يكون إلا إذا سكن حين انحنائه، وحين وضع وجهه على الأرض، فأما مجرد الخفض والرفع عنه فلا يسمى ركوعًا ولا سجودًا، ومن سماه ركوعًا وسجودًا فقد غلط على العربية”. (مجموع الفتاوى 22 /569).
وحد الطمأنينة حسب رأي الجمهور السكون مدة قول الذكر الواجب قوله في الصلاة، وأن يكون السكون فيه خشية من الله تعالى، وألَّا ينصرف الذهن لشيء خارج عن الصلاة.
التشهد الأخير
وهذا رأي الجمهور من العلماء، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: “كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وميكائيل”. (رواه البيهقي والدارقطني). وهذا يدل أن التشهد أصبح فرضًا وركنًا أساسيًا من أركان الصلاة، وكان الصحابة قبل ذلك يرددون صيغة السلام فقط دون تشهد.
الجلوس للتشهد الأخير
وقد جعله البعض ركنًا متصلًا مع التشهد، ولكن الجمهور يرى والله أعلم أن الجلوس ركن والتشهد ركن آخر، واستدلُّوا بأن التشهد لو قيل والمصلي واقفًا فإن هذا يخالف هيئة الصلاة ولا يعتد به، لذا لا بد أن يجلس ليفعل كما فعل رسول الله ﷺ.
الصلاة على النبي
الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير، حيث قال بعض العلماء بأن صيغة الصلاة على النبي ﷺ في التشهد الأخير تعد ركنًا من أركان الصلاة، ولكن الجمهور يقولون بأنه سُنَّة وليس بواجب، وإذا تركه المصلي فصلاته صحيحة. ورجح ذلك أن حديث أبي هريرة لم ينص على الصلاة على النبي: “إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليعوذ بالله: من عذاب جهنم… إلى آخره”. (رواه مسلم). وقال ابن عثيمين مرجحًا هذا القول: “وهذا القول أرجح الأقوال إن لم يكن سوى هذا الدليل الذي استدل به الفقهاء رحمهم الله”. (الممتع: 3 /312).
الترتيب في القيام بالأركان
فلا يصح أن نأتي بركن دون آخر، سواء تقديمًا أو تأخيرًا، فلكل ركن من الأركان مكانه الذي وضع فيه، فالقيام ثم الركوع، ثم الرفع منه، فالسجود، ثم القعود… ثم إن النبي ﷺ كان يواظب على فعل ذلك، ويقول لأصحابه: “صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي فإذا حضرَتِ الصَّلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكُم“. (البدر المنير: 3/307). وقد اتفق العلماء على ترتيب أركان الصلاة بالشكل والهيئة الواردة عن النبي ﷺ.
التسليم
وهو الركن الأخير، وهو أن يقول المصلي بعد الانتهاء من التشهد الأخير يمينًا ويسارًا: “السلام عليكم ورحمة الله”. وهناك اختلاف بين العلماء في مسألة التسليم هل هو تسليمة واحدة أم الواجب تسليمتين، ولكن ما عليه الجمهور أن التسليمتين فرض، واستدلوا بحديث النبي ﷺ: “إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه يسلم على أخيه من على يمينه وشماله”. (رواه مسلم).
كما أن النبي ﷺ فعل ذلك في مجمل صلاته، وأن ما ذكرته السيدة عائشة عن صلاة الوتر وأنه ﷺ يُسلم تسليمة واحدة، فهذا مردُّه أن هذا الفعل كان في النافلة ولم يكن في الفريضة، مثل الجلوس لصلاة النافلة إن أراد المصلي ذلك. ولذا فالأكثر حيطة أن يسلم المصلي تسليمتين.
الفرق بين السُّنن والواجبات والأركان
هناك فرق نستطيع أن نميز به بين الأركان والواجبات والسنن في الصلاة، ويتمثل في أن الأركان لا يمكن أن تسقط عمدًا أو سهوًا، إذ لا بد من تمامها كلها ولا يتم جبرها بسجود السهو، ولذا فهي أعمدة الصلاة الأساسية. أما الواجبات فتسقط سهوًا ويتم جبرها بسجود السهو، ولكن تركها عمدًا يُبطل الصلاة. أما السنن فإنها لا تُبطل الصلاة سواء تُركت عمدًا أو سهوًا، ولكن من المستحب أن يسجد المصلى سهوًا إذا ترك سُنة من تلك السُّنن.
وبعد كل ما سبق أصبحنا ندرك أن أركان الصلاة مهمة ولا تصح الصلاة دونها، والصلاة هي الصلة بين العبد وربه، ولذا يجب على المسلم أن يتأكد من أركانها وسلامة كل ركن فيها فهذا يُقوي من صحة صلاته حتى يقبلها الله منه، ولا ينبغي أبدًا أن يسرق المسلم من صلاته، أي لا يتم ركوعها وسجودها على الوجه الأكمل، بل يجب أن يوطن نفسه على التدبر والسكينة في صلاته، وأن يقرأ على مهل.