دعاء ختم القرآن
دعاء ختم القرآن الكريم هو شيء جميل حينما يصل أحدنا إلى التفكير في البحث عنه أو تتبُّع فضله؛ فهنيئًا له ما بلغ من خير، هنيئًا له تلك الحالة الإيمانية التي حملته على المُداومة على قراءة القرآن حتى ختمه، لكن أُمنيتُنا ألَّا يقف أحدنا بقراءة القرآن بالمطالعة فقط بل يجب أن يمتد أثر ما يقرأ متجسدًا في حياته وفي كل أفعاله وتصرفاته.
في هذا المقال نأخذكم في رحلة إيمانية معرفية، نسير فيها بجوار دعاء ختم القرآن متتبعين أصله فضله وأثره وكذا صيغته وآراء العلماء حوله، وغرضنا في كل هذا أن نوفر لك -قارئنا العزيز- مرجعًا شاملًا مختصرًا لا تحتاج بعده لمطالعة شيء، معتمدين في كل هذا على مراجع شرعية موثوقة.
صيغة دعاء ختم القرآن
لم يَرِد عن النبي الأكرم إلزامٌ لأمته بصيغة معينة لـدعاء ختم القرآن، ذلك أن هذا الدعاء لم يتمثل في وقت النبي ﷺ في شكل منتظم أو طقس ثابت، بل هو حض واستحباب ثبت بالحديث أعلاه، من هنا فإن صيغة الدعاء متروكة لاجتهاد العبد، إذ يمكن الاستعانة بالأدعية الواردة في نهاية نسخ المصحف المختلفة، ليس على سبيل الوجوب وإنما على سبيل التماس الأدعية المأثورة عن النبي الأكرم ﷺ مُيسَّرة ومجموعة في موضع واحد.
بل يمكن لكل مِنَّا أن يُعبر عن حاجته بصدق ومباشرة دون التزام بصيغ بعينها، فالله تعالى مُطَّلع على القلوب، ومُقدر للصدق والالتجاء والقُنُوت أكثر من تقديره للهيئة ومباني الكلمات، لذلك مهم أن تلجأ له تعالى خالي البال ملقٍ بأثقال الحياة ومشاغلها وراء ظهرك، خالصًا له وجهك، واستجابته تعالى حتمًا في الانتظار.
-
اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بالقرآن وَاجْعَلهُ لِي إِمَاماً وَنُوراً وَهُدًى وَرَحْمَةً.
-
اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نَسِيتُ وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْتُ وَارْزُقْنِي تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
-
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
-
اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمْرِي آخِرَهُ وَخَيْرَ عَمَلِي خَوَاتِمَهُ وَخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ فِيهِ.
-
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِيشَةً هَنِيَّةً وَمِيتَةً سَوِيَّةً وَمَرَدًّا غَيْرَ مُخْزٍ وَلاَ فَاضِحٍ.
-
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ المَسْأَلةِ وَخَيْرَ الدُّعَاءِ وَخَيْرَ النَّجَاحِ وَخَيْرَ العِلْمِ وَخَيْرَ العَمَلِ وَخَيْرَ الثَّوَابِ وَخَيْرَ الحَيَاةِ وَخيْرَ المَمَاتِ وَثَبِّتْنِي وَثَقِّلْ مَوَازِينِي وَحَقِّقْ إِيمَانِي وَارْفَعْ دَرَجَتِي وَتَقَبَّلْ صَلاَتِي وَاغْفِرْ خَطِيئَاتِي وَأَسْأَلُكَ العُلَا مِنَ الجَنَّةِ.
-
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمِ مَغْفِرَتِكَ وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالفَوْزَ بِالجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ.
-
اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ.
-
اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهَا جَنَّتَكَ وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا وَلاَ تجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا.
-
اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمَّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ وَلَا دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ وَلَا حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
-
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَخْيَارِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً.
فَضْلُه
لقد كتب الله على نفسه الاستجابة لدعاء عباده متى توفر فيهم الإخلاص والنية الصالحة، يقول الله تعالى: “ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ” نرى هنا المخاطب أو ضميره وقد حذف في هذه الآية الكريمة من باب الإسراع إلى كلمة أستجب لكم، وذلك ملمح بلاغي يدلل على مدى رحمة الله بنا واهتمامه بدعائنا حتى وكأننا متى دعوناه استجاب.
إن الدعاء في حد ذاته عبادة، بل إنه درجة عالية من درجات العبادة سواء كان دعاء ختم القرآن أو دعاء السفر أو دعاء الاستخارة وغيرها من أي أدعية و أذكار أخرى، وذلك بما يتضمنه من التجاء وتضرع ومناجاة، وما يستوجبه كل هذا من صدق وقرب وتعلق بالخالق عز وجل، فأنت قبل الدعاء شيء وبعده شيء آخر، إذا لم يكن من ناحية الواقع والاستجابة، فمن ناحية المنزلة والمكانة عند الله تعالى، وكذلك من ناحية ما استنبته في قلبك من إيمان وصدق توكل.
حُكْمُه
ثبت عن النبي محمد ﷺ فيما رواه أحمد والطبراني عن عمران بن حصين أنه ﷺ قال: “اقرؤوا القرآن، وسلوا الله به، قبل أن يأتي قوم يقرؤون القرآن، فيسألون به الناس” وفي هذا حث واضح من نبينا الكريم على أن نتبع قراءة القرآن بدعاء وسؤال نتمناه عليه.
وكما هو واضح في الحديث السابق، فالسؤال والدعاء لم يختص فقط بختم المسلم منا للقرآن، وإنما بقراءته في العموم، فحينما تقدم على قراءة بعض من القرآن، يستحب لك أن تسأل الله وتدعوه ما أردت، مع الأخذ في الاعتبار قيمة أن تدعوه تعالى بشيء بعد ختمك للمصحف فتلك حالة تأتي بعد استغراق ووقت طويل، ومن هنا يعم فضل أكبر على المسلم حين يتمثل دعاء ختم القرآن، والله أعلى وأعلم.
هيئة دعاء ختم القرآن
الدعاء كما أشرنا أمر مستحب أطلق النبي ﷺ فيه العنان لأمته أن يسألوا ما يشاءون، وليست ثمة أجواء أو طقوس مأثور القيام بها بعد ختم القرآن، إلا ذلك الذي ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه “أنه كان إذا ختم القرآن جمع ولده، وأهل بيته، فدعا بهم”.
لذلك لا بأس أبدًا أن يجمع المسلم منا أهل بيته ليشاركوه في ختم القرآن، وبعد الانتهاء منه لا بأس أيضًا أن يجتمعوا جميعًا على دعاء ختم القرآن، دعاء موحد يؤمهم فيه أحدهم، فذلك أدعى لبث الطمأنينة في النفوس ومشاركة الأجر والثواب.
دعاء ختم القرآن في رمضان
في شهر رمضان المبارك يشمر كل مسلم عن ساعديه، وننطلق جميعًا في سباق نقصد به الفوز والظفر بما وعد الله به عبادة من مثوبة مضاعفة في هذا الشهر الكريم، أجواء إيمانية محببة وتسابق في الخير يعم شتى البيوت.
قرآن يُتلى وحلقات إيمانية تنسج في المساجد، تذكر الله وتتدارس فيما بينها القرآن، ختمات جماعية للقرآن يتشارك فيها قوم تلاقوا على طاعة الله وذكره، ودعاء ختم القرآن أمر يتلاقى عليه الجميع في سعادة وحبور، كل يبادر إلى الله بمسألته، وسكينة الله ورحمته تتنزل، ليس أجمل أبدًا من مثل هذه أجواء.
قراءة القرآن وختمه
لا شك أن قراءة القرآن من الأعمال الجليلة التي أوصى بها النبي الكريم في جل أحاديثه وأفعاله، فالقرآن هو كتاب الله المعجز، الذي يحدث به عباده دون واسطة، ولم يُوصِينا النبي ﷺ بالقرآن وقراءته من فراغ، فبقراءته ينشرح القلب وتهدأ النفس وتسكن، ويشحذ العقل ذاته بالتفكير وتترسخ عبر آيات الله يقيننا بديننا وتنزع عن الشكوك بعيدًا إلى غير رجعة.
من هنا فإن المداومة على قراءة القرآن والارتباط به عبر ورد يومي من الأمور التي يوصي بها العلماء ويحضون عليها، وذلك لما فيها من خير للإنسان وتذكير له بطريق الله المستقيم وما يجب عليه التزامه وما يجب عليه الانتهاء عنه.
أما عن ختم القرآن والانتظام والمداومة في الوصول إلى تلك الحالة، فهو أمر محمود ثابت عن النبي ﷺ المثوبة العلية التي تنتظر من يحصل هذه الختمات، لكن في الوقت ذاته يجب أن نقصد أكثر إلى تدبر القرآن والتعمق في فهمه، فهذا هو الأولى والأهم، إذا ليس من الجيد أن نتلو القرآن ونختمه في أسرع مدة ونحن عن تدبره وتفكُّرِه بعيدين وغير مهتمين.
هذا وقد رأى بعض الفقهاء استحباب قراءة سورة الفاتحة وأوائل سورة البقرة إلى غاية قوله تعالى: “أوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” لمن ختم القرآن، وذلك بناء على حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: “أن رجلًا قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: “الحال المرتحل”، قال: يا رسول الله وما الحال المرتحل؟ قال: “يضرب من أول القرآن إلى آخره، ومن آخره إلى أوله”.
بين قراءة القرآن وتمثله
القرآن الكريم نبع إلهي صاف نتزود منه على طول طريقنا، نستشف منه المعاني والإيمانيات ونتلقى أوامر الله ونواهيه ونُحيي فينا مشاعر شَتَّى ربما أطفأتها توالي الأيام وصُرُوف الحياة، قراءة متعمقة أو تلاوة خاشعة تترك فينا أثرًا إيجابيا لا يتركه سواها، لكن ذلك الأثر لن يكتمل إيجابيته إلا حينما يترجم فعلا وسلوكًا طيبًا على أرض الواقع.
ما معنى أن نختم القرآن ونتضرع إلى الله بقراءة دعاء ختم القرآن ونحن في ذات الوقت لا نزال قاطعين للأرحام أو غير متمثلين للحسنى في تعاملنا مع غيرنا، إن ذلك بالطبع تعارض وتناقض يحتم علينا التفكير كثيرًا في إصلاح ذاتنا والتدرج بجوار القرآن حتى نصبح أفضل.
إن الإسلام في أكثر مواضعه ونصوصه يؤكد على أن الدين هو المعاملة، وأن معاملة الناس بالحسنى وامتثال أوامر الله ونواهيه والقيام بفروضه، مجموع كل هذا مؤدٍ بنا في الأخير إلى الفوز ونيل مرضاة الله.