أستغفر الله
أستغفر الله هي عبارة تدخلك في باب الاستغفار، وهذا يمنحك منزلة رفيعة، وتلك المكانة نابعة من كون الاستغفار يعد بابًا كبيرًا من أبواب الرزق، ومفتاحًا من مفاتيح زيادة الخير وتكثير الأموال وتحقيق الأمنيات وطرح البركة في كل ما لدينا من نِعم، إضافة إلى كون الاستغفار من مُكفرات الذنوب ومحو السيئات، ومضاعفة الحسنات، وجلب الراحة النفسية للعبد وتخليصه من الاضطراب والقلق وكثرة التفكير في الأمور السلبية.
جملة أستغفر الله، تُفصح عن نفسها باعتبارها تعبِّر عن حالة العبد ومدى ارتباطه بذكر الله تعالى، وأن يظل لسانه رطبًا بذكره. ومن المعلوم أن من أهم الذكر على الإطلاق كثرة الاستغفار، والإلحاح عليه بصوة دائمة، فكل عمل يقوم به الإنسان إنما يحتاج فيه إلى الاستغفار وطلب العفو من الخالق، حتى قيل إن كل معصية أو ذنب حتى لو كان صغيرًا يستوجب استغفارًا لوحده، ومن هنا كانت جملة ذات مكانة عالية، والمداومة عليها تمنح الإنسان الراحة والطمأنينة.
صيغة الاستغفار الصحيحة
إن قول “أستغفر الله” وأهميته، تدعونا لأن نركِّز دعاءنا واستغفارنا بصيغ صحيحة واردة عن النبي ﷺ، وهناك الكثير من الصيغ التي وردت في هذا الباب، ومن أهم الصيغ أن نذكر دعاء سيد الاستغفار، وهو:
– فقد ورد فيه أن مَن قاله موقنًا به من ليلته ومات دخل الجنة، وكذا الأمر إذا قاله من يومه.
ومن ضمن المواقف التي ورد ذكر الاستغفار فيها، وقت الانتهاء من الوضوء للصلاة، حيث ورد عن النبي ﷺ أنه قال:
فضل أستغفر الله
يمتلك الاستغفار أهمية خاصة في حياتنا، فمكانة الاستغفار تنبع من أننا نتوجه به إلى الخالق سبحانه وتعالى قاصدين أن يغفر لنا ما أصررنا عليه من الذنوب والمعاصي، وما لحق بنا دون أن نعرف كيف نتخلَّص منه، ولقد كان من سُنَّة النبي ﷺ أنه كان يستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة، وهذا يعود إلى مكانة قول أستغفر الله وفضل الاستغفار، والتي نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي:
- أن الله تعالى قد أمر عباده بالاستغفار وطلب العفو والمغفرة: ففي آيات كثيرة يأمر الله سبحانه وتعالى عباده بأن يستغفروه، قال تعالى: (وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). سورة البقرة: 199. وقال في موضع آخر: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ). سورة هود: 3. وهذا يدل على أن الاستغفار من أفضل الأعمال التي يجب أن يغتنمها العبد ويحرص عليها.
- أن الله سبحانه وتعالى قد مدح أهله وأثنى عليهم: قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): “قوله: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ). دَلَّ على فضيلة الاستغفار وقت الأسحار، وقد قيل: إن يعقوب عليه السلام، لمَّا قال لبنيه (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) إنه أخَّرهم إلى وقت السحر”. (تفسير ابن كثير، ج 1، ص 434).
ويقول الله تعالى مادحًا المستغفرين: (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). سورة الذاريات: 18. أي أن الله تعالى مدحهم بالاستغفار وإحياء الليل بالذكر والعبادة، وهذا دليل آخر على قول “أستغفر الله” وفضله. - أن الاستغفار من صفات المتقين وعباد الله المخلصين، فقد ورد في القرآن الكريم في أكثر من آية أن الاستغفار يعد صفة ملازمة للمتقين، بل إن الاستغفار قد يكون سببًا من أسباب تحصيل التقوى، قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). سورة آل عمران: 133.
- أن الاستغفار يجلب الخير والبركة ويدفع البلاء عن العبد: فمن أراد أن يبارك الله له فيما يفعله، فعليه أن يستغفر الله، ومَن أراد دفع البلاء فعليه بالاستغفار، فكله خير ورحمة، ولا يعرف مقدار البركة فيه إلَّا مَن قام بتطبيق ذلك عمليًا على أرض الواقع، ورأى حياته كيف تبدَّلت من حال إلى حال.
وقد طلب نبي الله نوح من قومه الاستغفار من أجل جلب البركة والخير، قال الله تعالى عن ذلك الموقف: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا. مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا). سورة نوح: 10-13.
فلو أنهم استغفروا ربهم، فإنهم سيحصلون على المغفرة وقبول العمل، ثم يزاد لهم في أمور معاشهم، فيرسل الله عليه السماء مدرارًا بالخير، ويزيدهم من الأموال والأولاد، ثم يكتب لهم في الآخرة الجنة والأنهار التي لا مثيل لها على الإطلاق، وكل ذلك جزاء عملهم، وما قاموا به من استغفار وتوبة إلى الله تعالى. - الاستغفار من مُوجبات الرحمة ومُبعدات العذاب: فكثرة الاستغفار تجلب رحمة الله تعالى، وتقرِّب العبد من خالقه سبحانه وتعالى، كما أنه من مُبعدات العذاب والغضب والويلات في الدنيا والآخرة، وهذه منزلة رفيعة للاستغفار وشرف كبير يجعله من أحب الأعمال وأثقلها في الميزان.
- الاستغفار كان من سُنَّة الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام): فكل نبي قد ناجى ربَّه تعالى أن يغفر له ولقومه، من سيدنا آدم ونوح وموسى وشعيب وصالح (عليهم السلام)، وغيرهم ممَّن قرأنا عنهم في قصص الأنبياء والمرسلين.
- الاستغفار راحة للنفس ودعوة إلى العودة والتوبة والرجوع عن الطريق المظلم، فهو يفتح الطريق أمام العبد وينير له ما به من ظلمات، فيصبح العبد سائرًا وفق ما أراد الله تعالى، مبتعدًا عن الذنوب والمعاصي، عاملاً بسُنَّة النبي ﷺ ومقتديًا بهَديه، وهذا يفتح للعبد باب التوفيق والسَّداد في حياته وعمله ويشرح صدره.
أسباب عدم تحقق الاستغفار
قد يتساءل المرء: أستغفر كثيرًا لكنِّي لا أجد أثرًا لهذا الاستغفار، ولا أحصل على فضل قوله، ولا أجد تغيُّرًا في حياتي أو نفسي؟ أي إنه لم يحقق الفوائد الدنيوية التي تُثبت له قبول الاستغفار وحصول فوائده، ولعل ذلك راجع إلى أن ذلك العبد لم يحقق شروط الاستغفار، ولم يُحسن الاستغفار بصيغه الصحيحة.
ولذا فإنه يجب أن يتأكد من عدَّة أسباب مهمة، مثل:
1. التلفُّظ بصيغ الاستغفار قولًا فقط دون أن يستشعر معانيها بقلبه، وعدم الحرص على أن يكون صادقًا فيها، فيتحول الاستغفار إلى كلام فقط يتلفظ به العبد، ولا تحضره رغبة صادقة في العودة إلى خالقه وطلب الصفح منه.
2. عدم الإحاطة بكل شروط الاستغفار من نية وصيغة صحيحة وتوبة نصوح وغير ذلك، فالاستغفار دعاء يجب الالتزام به بكل الشروط التي تجعله مستجابًا وذا أثر ملموس.
3. أن يقصد العبد باستغفاره تحصيل التوبة من معاصٍ بعينها، ثم إنه لا يمتنع عنها، ويتلفظ باللسان فقط، ويستغفر الله تعالى دون أن يكون صادقًا في توبته، ولذا فإنه وجب عليه أن يحقق شروط التوبة السليمة حتى يُقبل منه استغفاره.
فوائد الاستغفار
هل يجب الاستغفار في أي وقت أم يلزم له أن يكون هناك ذنب لنستغفر منه؟ الحقيقة أن الأصل في الاستغفار الاستحباب والندب، أي أن يكون في أي وقت وليس شرطًا وجود معصية معينة حتى يعود العبد إلى ربه، بل يجب أن يبادر به في كل وقت وحين استحبابًا لهذا العمل وطاعة لله تعالى، وحرصًا على التقرب من الله وتحصيل الأجر والثواب.
أما إذا ارتكب العبد معصية فإن استحباب الاستغفار يتحول إلى الوُجوب، أي يجب عليه فعل ذلك. وقد يتحول الاستحباب إلى الحرمة إذا استغفر المسلم لكافر، ويتحول إلى الكراهة (حسب رأي المالكية) إذا كان المسلم يستغفر لميت وهو يسير خلف جنازته. وهكذا يكون الاستغفار حالة خاصة، إذ يستحب للعبد أن يُكثر من استغفار الله تعالى، وأن يسأله المغفرة والرحمة والتجاوز عما كان منه، وعن الأوقات التي قصر فيها عن القيام بعبادة الله تعالى حق عبادته.
إن مكانة قول “استغفر الله” وقيمتها في حياتنا تنبع من أن طبيعة النفس البشرية معرضة للذنب والخطأ والسهو، فكان من رحمة الله تعالى أن جعل بابه مفتوحًا أمام عباده، وشرع لهم من الأعمال الصالحة ما يجبر النقص ويسد الخلل، ويبدل السيئات حسنات، ويزيدهم فضلًا وإحسانًا، ولذا وجب تفعيل الاستغفار في حياتنا، واستخدام هذا السلاح المهم، مع مجاهدة النفس واستشعار الخشية من الله تعالى في كل عمل نقوم به.
إن تفعيل الاستغفار في حياتنا يكون من خلال فهم قول استغفر الله وفضله وأهميته، ولذا يجب أن نقوم بالاهتمام بالاستغفار وتخصيص وقتٍ له يوميًّا، واستحبابه في كل وقت وحين، لكونه من مكفرات الذنوب، كما أنه يمنح العبد طاقة على العمل بجد وإخلاص، ويكسب العمل البركة والخير، ويرُد عنه الابتلاءات والمحن.
فهل هناك فضل بعد هذا الفضل، إنه منحة من الله تعالى يجب أن نحرص على تحصيلها. ويجب أن نقول دائمًا أستغفر الله، وأن نكثر منها، وأن نلجأ إلى الله به من أجل البركة وتحصيل الخير ودفع البلاء، فالاستغفار عمل قليل الجهد كثير الأجر، وهو فاتحة لكل عمل طيب، وبه يُكفِّر الله السيئات ويُكثر الحسنات.