دعاء الشفاء

دعاء الشفاء

دعاء الشفاء من كل الأمراض هو أحد الأدعية التي يحتاج إليها أغلب الناس، لأن المرض أصبح من الأشياء المتكررة والمعتادة، حيث كثُر انتشاره وتفاقمت أسبابه، وفي كل عام يكتشف العلم عديدًا من الأمراض الجديدة الوافدة والناتجة عن الفيروسات والجراثيم أو البكتريا، بما يعني أن الإنسان يمكنه التعرض للأمراض الفتاكة أو الأمراض الاعتيادية الناتجة عن حركته في الحياة، إضافة إلى بعض الأمراض الموسمية.

 

دعاء الشفاء وأذكاره

هناك العديد من الأدعية والأذكار الخاصة بطلب الشفاء من الله تعالى، ولكن سنحاول هنا التوقف أمام أهم تلك الأدعية، وسنركز على الصحيح منها والوارد عن النبي ، ثم نتبع ذلك بذكر أدعية أخرى تصلح أن تُقال طلبًا للشفاء مثل هذا الدعاء: دعاء للمريض بالشفاء العاجل.

ولكن يجب أولاً أن نتيقَّن أن الشفاء بيد الله تعالى، فهو القائل: “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ“. (سورة الشعراء: 80). وذلك اليقين يأتي من ثقة العبد بربه، ومن السعي والأخذ بالأسباب، اعتمادًا على أن النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى.

وكانت للنبي رُقية شرعية ودعاء يقوله إذا أصيب بمرض ما، إذ تروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي لمَّا أصابه المرض فإنه:

“كان يُعَوِّذُ بِهَذِهِ الكَلِماتِ: اللهمَّ رَبَّ الناسِ أَذْهِبْ الباسَ، واشْفِ وأنتَ الشَّافي، لا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا. فلمَّا ثَقُلَ في مَرَضِهِ الذي ماتَ فيهِ أخذْتُ بيدِهِ فجعلْتُ أَمْسَحُهُ بِها وأَقُولُها فنزعَ يَدَهُ من يَدِي وقال: اللهمَّ اغفرْ لي وأَلْحِقْنِي بِالرَّفيقِ الأعلى. قالتْ: فكَانَ هذا آخَرَ ما سَمِعْتُ من كَلامِهِ”. (السلسلة الصحيحة، الألباني، 2775).

وهذا الدعاء يعد من أشمل الأحاديث وأكثرها ثبوتًا عن النبي ، ولذا يمكن قراءته على المريض مع وضع اليد اليمنى على جبهته.

لقد جَعلَ الله القرآن الكريم شفاء للناس، وهناك آيات كثيرة تقال من أجل الشفاء، ولذا فإنه يستحب أن نقرأ على المريض سورة الفاتحة والمعوذتين ثلاث مرات مع وضع اليد اليمنى على جبهته، ومن أرجى ما يقال في دعاء الشفاء أن يضع المريض يده على ما يؤلمه من جسده فيقول: “بسمِ اللهِ ثلاثًا. وقُلْ: أعوذُ باللهِ وقدرتِه مِن شرِّ ما أجِدُ وأُحاذِرُ سبعَ مرَّاتٍ” (صحيح ابن حبان: 2967).

هذا القول يجعلك تستمد العون من الله تعالى على ما تجده في جسدك من آلام ووجع، فهو القادر على شفائك وتخليصك من الألم أو حملك على الصبر وتجاوز المحنة بإذنه سبحانه. ويمكن للعبد أن يدعو ربه بما شاء أثناء مرضه، فيقول: (اللهم اشف جسدي وروحي مما أصابهما، اللهم أزل ما بي من مرض وعلة، اللهم ادفع عني هذا البلاء…). وغير ذلك من أدعية حسنة تعينه على مقاومة ما يجد من مرض.

وإذا أراد العبد الوقاية من الأمراض فعليه أن يقول الدعاء التالي: “بسمِ اللهِ، آمَنتُ باللهِ، اعتصَمتُ باللهِ، توكَّلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ” (مسند الإمام أحمد: 471)، فمن قال هذا الدعاء في سفر أو غيره فقد رُزق خيرَ ذلك المَخرَجِ، وصُرِفَ عنه شرُّ ذلك المَخرَجِ ويقال له: “كُفِيتَ وهُدِيت ووُقِيت”، فأي فضل بعد هذا الفضل، إنه دعاء يسير يتحصَّن به الإنسان من كل شيء وليس المرض فقط.

ويجب أن نستحضر النية الصادقة ونحن نقول أي دعاء بغرض الشفاء، وإذا زار أحد منا مريضًا فعليه أن يكون لطيفًا معه وأن يحافظ على كلماته جيدًا ولا يتحدث معه إلا بما يخفف عنه، ومن السنة أن يدعو الرجل لأخيه المريض عند زيارته فيقول له: “لا بَأْسَ، طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ” (صحيح البخاري: 3616).

فالمرض يطهِّر الإنسان من الذنوب والمعاصي، ويخفف من ثقل أوزاره، فينعم بعدها بالعافية ويتخفف من ذنوبه وآثامه، فيكون الشفاء من كلا الجانين (المرض والذنوب).

 

أهمية دعاء الشفاء

نلجأ في أصعب الأوقات إلى سلاح الدعاء، فنناجي الله سبحانه بقلب خاشع طلبًا للشفاء، ونتمتم بدعاء الشفاء من أجل أن تُرد إلينا عافيتنا من جديد، بجانب الأخذ بالأسباب والذهاب لتلقي العلاج ومحاولة الوصول لوصف شامل عن حالتنا وما صرنا إليها، حتى يمكننا تناول الأدوية المناسبة، والتي يجب اعتبارها سببًا من أسباب الشفاء، وأن الأمر كله بيد الله سبحانه، فهو الشافي والمعافي، وهو الواهب والمعطي، وهو الرازق للصحة والقادر على نزع المرض من أجسادنا.

ومن هنا فإن أهمية هذا الدعاء ترجع إلى مجموعة من الأمور، هي:

1- أن العبد قد استسلم لأمر الله ووثق في خالقه وأحسن التوكل عليه، وهذا يعني سلامة الاعتقاد، وقوة الإيمان ورسوخه في قلب العبد.

2- أن الإلحاح في الدعاء مع الأخذ بالأسباب يساعد على الشفاء والعودة إلى الحياة بشكل طبيعي.

3- أن الدعاء وقت المرض يشير إلى أن العبد قد صبر على ما أصابه مما يمنحه الأجر والثواب وأن يكون من عباد الله الصالحين الصابرين.

4- أن دعاء الشفاء يمنح المريض الراحة النفسية ويخفف عنه ما يجد من ألم المرض ومعاناته.

5- أن ذكر هذا الدعاء يضاعف الله به الحسنات، ويمحو به السيئات، ويرفع به الدرجات، فإن لم يستجب الله لعبده في الدنيا، فإنه يؤجر الأجر له في الآخرة.

 

الأخذ بالأسباب ودعاء الله تعالى

دعاء الشفاء ليس نوعًا من التواكل، بل يجب أن يكون توكلاً على الله تعالى، لأن الدعاء رحمة وطلب لدفع البلاء، ولكنه لا يُغني أبدًا عن الأخذ بالأسباب المادية التي سخَّرها الله لنا، فلو افترضنا أن هناك رجلاً مريضًا مرضًا شديدًا ويحتاج إلى العلاج، ولكنه أقسم ألا يأخذ دواءً ولا يتعاطى شيئًا، وإنما التزم الدعاء فقط، فإنه بذلك لا يكون متوكلاً على الله لكونه أهمل الأخذ بالأسباب، ولذا فمن الواجب أن يأخذ الدواء الذي وصفه الطبيب، وفي الوقت ذاته يوقن داخليًا أن الله هو الشافي والمعافي، ويلجأ إليه بالدعاء مُخلصًا النية وموقنًا بأنه قد فعل كل ما بوسعه.

إن الأخذ بالأسباب الدنيوية التي أظهرها الله تعالى لنا في حياتنا، يعد من الأمور التي لا خلاف فيها، فقد قال رجل للرسول : “يا رسولَ اللهِ أعقِلُها وأتوكَّلُ أو أُطلِقُها وأتوكَّلُ. قال: اعقِلها وتوكَّلْ” (صحيح الترمذي: 2517). ويَقصِدُ بقوله هذا الناقة، أي يترك لِجامها في العراء أم يربطه ويأخذ بالأسباب، فما كان من النبي إلا أن دلَّه على الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى.

 

الرحمة تنزل مع البلاء

دعاء الشفاء من المرض مهم لأن الرحمة تتنزَّل مع الابتلاءات، ولذا لا يجب على العبد أن يقلق من أن يصاب بشيء في المستقبل، أو يتوقع أن يصيبه مرض ما في أي وقت، لأنه لو فعل ذلك فسيكون كمن يجمع على نفسه الهموم والمشاكل دون أن يكون هناك بلاء حقيقي ظاهر، بما يعني أنه قد تحمل أثر البلاء دون أن تكون هناك رحمة معه.

وذلك لكون البلاء لم يقع بالفعل بل هذا نوع من التوهُّم والخداع، ولذا فإن أي إنسان يفكر بهذه الطريقة سيصبح مريضًا أشد المرض من دون علَّة تصيبه في جسده أو نفسه، ولذا وجب على العبد ألَّا يُحمِّل نفسه ما لا تُطيق، وألَّا يستعجل البلاء أو يركن إليه، فإذا وقع البلاء لجأ إلى الله تعالى ودعاه بأن يُفرِّج عنه ما أصابه، موقنًا في قدرة الله ورحمته وعونه.

وكل ذلك يدعونا إلى الأخذ بالأسباب وإلى التوكل على الله تعالى في صحتنا ومرضنا، فإذا كنا في حال صحة شكرنا الله عليها وقلنا الحمد لله واجتهدنا في العبادة والطاعة، ولم نستخدمها إلا فيما ينفعنا وينفع غيرنا، وإذا جاء المرض فإنه يجب علينا أن نتحلى بالصبر وأن نتقبل قضاء الله تعالى بكل رضا، وعلينا أن نتضرع إليه تعالى طالبين الشفاء ورفع البلاء، وبذلك نحقق المعادلة المطلوبة ونخرج من هذا الأمر ونحن قد حققنا الغرض المطلوب.

قد يعجبك أيضاً
أكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك، ويمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت. حسناً قراءة المزيد