مثلث برمودا
مثلث برمودا أحد أكثر الأشياء التي حيَّرت الجميع على مدى القرن الأخير، وبجوارها يزخر العالم الذي نعيش فيه بكثير من الألغاز التي لم يصل البشر إلى تفسير لها، وهناك بعض الأحداث والظواهر التي مر على اكتشافها عشرات وربما مئات السنين ومع ذلك ما زالت خَفِيَّة وغامضة، هنا نُلقي المزيد من الضوء على مثلث برمودا وما يدور حوله من ألغاز.
أين يقع مثلث برمودا
يقع مثلث برمودا في منطقة جغرافية في المحيط الأطلسي ويقع بين برمودا وبورتوريكو وفلوريدا، وقد سُمِّي بمثلث برمودا لوقوعه قريبًا من منطقة برمودا، وهي عبارة عن مجموعة من الجزر تزيد عن ثلاثمائة جزيرة معظمها غير مأهول بالسكان، حيث يقطُن السكان ما يقارب الثلاثين جزيرة من الجزر الثلاثمائة، ومدينة هاميلتون هي عاصمة جزر برمودا التي تتبع بدورها للمملكة المتحدة.
وقد سُمِّي هذا المثلث بهذا الاسم لأنه على شكل المثلث الهندسي له ثلاثة أضلاع ومساحته كبيرة نوعًا ما حيث تزيد مساحته على مليون كيلومتر مربع، وقد أُثيرت حوله الكثير من الأساطير المتعلقة باختفاء بعض الطائرات والسفن ما جعل البعض يعتبره من أخطر الأماكن الجغرافية على خريطة العالم، وقد بدأ البعض يصدِّق الأساطير المنتشرة حول مثلث برمودا ذلك أنه يقع في نطاق خندق بورتوريكو وهي أعمق نقطة في المحيط الأطلسي والتي يصل عمقها إلى أكثر من ثلاثين ألف قدم (8,605 متر).
بدأ اسم مثلث برمودا كمنطقة جغرافية خطيرة، يظهر إلى الساحة الإعلامية والملاحة الجوية والبحرية بداية من خمسينات القرن العشرين، وكان ذلك تحديدًا عام 1950م عندما أعلنت وكالة أسوشيتد برس عن تسجيل حالات اختفاء غريبة لطائرات وسفن في تلك المنطقة، وفي عام 1962م غطَّت بعض المجلات الأمريكية أحداث اختفاء الرحلة رقم 19 في نفس المنطقة.
حوادث مثلث برمودا
وقعت حالات اختفاء متعددة في مثلث برمودا لعدة طائرات وسفن ومن أبرز تلك الحالات:
حوادث الطيران
اختفاء طائرة
في التاسع من شهر يوليو من عام 1945م كان توماس آرثر غارنر ورفاقه من طاقم طائرة تابعة للبحرية الامريكية التي غادرت محطة نهر الموز البحرية الجوية، حاليًا (قاعدة باتريك الجوية) في فلوريدا على تمام الساعة 9:15 مساءًا في رحلة تدريب روتينية في منطقة الكاريبي وبالقرب من مثلث برمودا، وكان كل شيء على ما يُرام على أن يعودوا إلى القاعدة في الساعة 2:15 صباحًا من صباح اليوم التالي.
وبعد أن تأخرت الطائرة وطاقمها المتكون من 12 شخصًا وعدم عودتها في موعدها، بدأت البحرية الأمريكية بالبحث المكثف عنهم لمدة 10 أيام بواسطة السفن والطائرات وبمشاركة حاملة طائرات ولكن لم يتم العثور على شيئ وذهبوا جميعًا دون أن يتركوا أي أثر وبقِيَ ما حدث لهم لُغزًا غامضًا.
وعلى الرغم من أن الطائرة مصممة للهبوط وسط المياه في حال واجهتها أي مشكلة، إلا أنها فُقِدَت فجأة بدون حتى أن تُرسل أي نداء استغاثة ولم يتم العثور على أي حطام لها، وليزداد الغموض فإن أحد الجنود المشاركين في عملية البحث قد اختفى في اليوم الثامن فوق جزر البهاما ولم يتم العثور عليه أيضًا.
الرحلة 19
في الخامس من شهر ديسمبر من عام 1945م على تمام الساعة 14:10 ظهرًا أقلعت خمسة طائرات قاذفة للقنابل من طراز (TBM Avenger) من قاعدة البحرية الأمريكية فورت لودرديل بولاية فلوريدا، حاليًّا (مطار فورت لودرديل هوليوود الدولي)، للقيام برحلة تدريب روتينية فوق مياه المحيط الأطلسي وكان قائد الرحلة التي أُطلِق عليها “الرحلة 19” هو الملازم تشارلز كارول تايلور الذي كان في رصيده حوالي 2,500 ساعة طيران بالإضافة إلى إكماله جولة قتالية فوق المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.
كان على تايلور وطاقمه المكوَّن من 13 طيارًا، وبعضهم من الطيارين المتدربين، تنفيذ مهمة تدريبية بالذخيرة الحية وكان الطقس جيدًا إلى حد ما وبَدَت الرؤية وسرعة الرياح طبيعية لتمرين من هذا النوع. وكانت بداية التمرين طبيعية كذلك، حيث تم اسقاط القنابل وفقًا للخطة التدريبية، وفي الساعة 15:00 ظهرًا أظهر التسجيل أن أحد الطيارين المتدربين طَلَب الاذن وسُمِح له بإسقاط آخر قنبلة من طائرته.
استدارت الرحلة 19 وبدأت تشُق طريقها نحو المحطة الثانية من تمرينها، واتخذت الأمور منعطفًا غريبًا. حيث تم اعتراض رسالة راديويَّة من الرحلة 19 في حوالي الساعة 16:00، وهي محادثة كانت بين الملازم تايلور رئيس الطاقم وقائد إحدى الطائرات الأخرى. وظهر في التسجيل، أن أحد أفراد الطاقم طلب قراءة البوصلة من أحد الطيارين، فأجاب الطيار: “لا أعرف أين نحن. يجب أن نكون قد ضللنا الطريق بعد ذلك المنعطف الأخير”.
وفي نفس التسجيل، تم سماع الملازم تايلور وهو يقول: “بَوْصَلَتَيْ خرجتا عن العمل، وأنا أحاول العثور على فورت لودرديل، فلوريدا. أنا فوق الأرض، لكنها غير واضحة. أنا متأكد من أنني في فلوريدا كيز، لكنني لا أعرف مدى الارتفاع عنها ولا أعرف كيف أصل إلى فورت لودرديل”. ثم بعد فترة وجيزة، أرسلت إحدى طائرات السرب 19 نداء استغاثة للقاعدة الجوية للإبلاغ عن ضياعهم.
جرَّب المُشغِّلون في القاعدة الجوية العديد من الحلول، من تبديل ترددات الراديو إلى تردد البحث والإنقاذ، إلى مناشدة تايلور لتشغيل نظام IFF (نظام تحديد العدو والصديق) الخاص به بحيث يمكنهم تحديد موقعه. ولأسباب مجهولة، تم تجاهل كل هذه المحاولات من قبل تايلور والطيارين الآخرين في الرحلة 19. وفي أحد هذه التسجيلات، تم سماع أحد أعضاء الرحلة وهو يقول: “اللعنة، إذا كان بإمكاننا الطيران غربًا، فسنصل إلى الديار؛ اتجه غربًا، اللعنة.” ولكن تايلور أمر بتوجُّه الرحلة شرقًا.
بحلول هذا الوقت، تدهورت الأحوال الجوية في المنطقة، وغَرُبَت الشمس وتمكَّنت بعض محطات الراديو الأرضية من تحديد موقع الرحلة 19 على أنها في مكان ما شمال جزر الباهاما وقبالة ساحل فلوريدا بنسبة كبيرة. وعلى الرغم من هذه المعلومات، إلَّا أنه لم يتم إبلاغ أفراد مراقبة الحركة الجوية البحرية في قاعدة فورت لودرديل عن موقع الرحلة بشكل كافٍ، والكل يعلم أن وقود الطائرات سينفد في الساعة 20:00 مساءًا.
وكانت النتيجة أن جميع الطيارين الأربعة عشر المشاركين في الرحلة 19 لم يُرَوْا أو يُسمع عنهم مرة أخرى. لكن هؤلاء الرجال الأربعة عشر لم يكونوا الوحيدين الذين اختفوا في يوم 5 ديسمبر 1945م. فقد تم اطلاق حملة بحث وانقاذ واسعة عن الرحلة 19 من مساء ذلك اليوم وإخطار السفن الموجودة بالمنطقة العسكرية والتجارية منها على حد سواء.
وتم تحويل طائرتين من طراز (Martin PBM Mariner) من رحلتهما التدريبية وتخصيصهما من أجل عمليات البحث عن أي أثر للرحلة 19. وكانت احدى هذه الطائرات ذات الرقم: 59225 والتي أقلعت من محطة نهر الموز في فلوريدا وعلى متنها 13 فرد من عناصر الانقاذ، وخلال التواصل معها من قبل برج المراقبة برسالة روتينية للتأكد من سلامتها إتضح أنها اختفت هي أيضًا عن الرادار في غضون حوالي 20 دقيقة من اقلاعها.
وفي تلك الليلة أبلغت سفينة تجارية كانت قبالة ساحل فورت لودرديل بفلوريدا عن رؤية انفجار من اللَّهب قبل فترة وجيزة من عبورها لبقعة من الوقود تطفو على سطح الماء في نفس منطقة اختفاء طائرة الانقاذ PBM-5 عن شاشة الرادار. وفي فجر اليوم التالي، أطلقت البحرية الأمريكية جهود إنقاذ أكبر، حيث يتعيَّن عليها الآن البحث عن سِت طائرات بدلًا من خمس. ومعرفة مصير 27 شخصًا بدلًا من 14. واستمرت جهود البحث حوالي 5 أيام، تم خلالها تمشيط 300,000 ميل مربع بحثًا عن أي علامة عن الطائرات أو من كانوا على متنها.
وتتنوع النظريات المحيطة بحالات الاختفاء هذه، بدءًا من عمليات الاختطاف من قبل الفضائيين، إلى التجارب الحكومية السرية، إلى غموض مثلث برمودا. وتشير الرواية الرسمية لأحداث 5 ديسمبر 1945 إلى أن الملازم تايلور أخطأ في موقعه، معتقدًا أنه كان يُحلِّق فوق فلوريدا كيز وخليج المكسيك. معتمدًا على بوصلة معطَّلة، ولم يتمكن من تحديد موقعه الحقيقي. وفي النهاية، نفد الوقود من تايلور وطاقمه، مما أجبرهم على إسقاط طائراتهم والاستسلام للعوامل الجوية.
وغالبًا ما يُعزى اختفاء طائرة البحث والإنقاذ PBM-5 التي كانت تُقِل 13 شخصًا إلى الانفجار، حيث كان هذا النموذج من الطائرات عُرضة لمثل هذه الحوادث. وقد راح ضحية هذه الحادثة 27 شخصًا وهم جملة طواقم الطائرات الستَّة.
طائرة دوغلاس سي-54
في الثالث من شهر يوليو 1947م، أقلعت الطائرة ذات الأربعة محركات التابعة لسلاح الجو الامريكي من طراز (Douglas C-54 Skymaster) وهي نسخة عسكرية من طائرة (Douglas DC-4) وكانت قادرة على حمل 85 راكبًا،في كل رحلة. وكانت في رحلتها من هاميلتون عاصمة جزر برمودا متجهة إلى مطار موريسون العسكري في بالم بيتش، فلوريدا. حاليًّا (مطار بالم بيتش الدولي). وأثناء رحلتها في الجو وعلى بعد 294 ميلًا شمال شرق ساحل ولاية فلوريدا واجهت عاصفة رعدية ضخمة أدَّت إلى سقوطها.
وكان على متنها 6 أفراد من ضمنهم الطيار المتمرِّس الرائد وارد. وقد ورد في تقرير لجنة التحقيق بأن الطائرة لم تكن في المسار المحدد للرحلة منذ اقلاعها. بل إنها بدأت في الخروج عن مسارها، وعلى ما يبدو أن الطيار أو الملَّاح لم يكونوا على علم بذلك. حيث كانت بعد وقت قصير من إقلاعها من برمودا، تطير جنوب مسارها المحدد. ثم غيَّرت مسارها فجأة وتحرَّكت نحو الشمال ثم إلى الجنوب الغربي.
ونتيجة لذلك، كانت تتجه نحو عين العاصفة. واستمرت في نفس الاتجاه لفترة طويلة وسط العاصفة. ممَّا تسبب في خروج الطائرة عن السيطرة. حتى سمع مُشغِّل راديو المحطة الأرضية نداء استغاثة غير واضح وخافِت، لدرجة انه تجاهل كونه نداء استغاثة حقيقي. ثم عاد وسمع نفس النداء الخافت مرة أخرى ثم ساد الصمت بعدها تمامًا.
وتم العثور على بعض الحطام على بعد حوالي 209 أميال شمال شرق فلوريدا وهو عبارة عن زجاجة أكسجين وبعض المعدات. وكلها تعكس حالة تدمير مفاجئ. ولم يكن هناك أي أثر لطاقمها المتكون من ستة أشخاص. حيث أفادت لجنة التحقيق بأن سبب الحادثة هو العاصفة الجوية. وخطأ كل من الطيار والملَّاح هو أحد العوامل المساعدة في الحادث من خلال الانحراف شمالًا نحو العاصفة بدلًا من تفاديها والطيران حولها.
ولكن تم التحقيق في سبب حدوث التغيير الغريب في مسار الرحلة رغم خبرة كل من الطيار والملَّاح كذلك؛ وكيف تم ارتكاب خطأ فادح كهذا وعدم تجنب العاصفة. حيث أنه قبل حوالي شهر واحد من الرحلة تم إعطاء تعليمات عامة لجميع الطيارين لتجنب العواصف الرعدية، ومع ذلك طار الرائد وارد بالطائرة نحو العاصفة مباشرة وأرشده الملَّاح للقيام بذلك ليلاقوا حتفهم هم وباقي زملائهم!
طائرة نجمة النمر
في يوم 27 من شهر يناير 1947م، غادرت الطائرة المسماة “نجمة النمر” من نوع “أفرو تيودور” والتابعة للخطوط الجوية البريطانية لأمريكا الجنوبية، وفي سجلِّها 11 رحلة جوية عبر المحيط الأطلسي، أي ما مجموعه 575 ساعة طيران، وذلك منذ رحلتها التجريبية الأولى في 4 نوفمبر 1947م.
غادرت لندن في رحلة إلى جزر برمودا. وتوقفت ليلًا في لشبونة عاصمة البرتغال من أجل صيانة عطل في نظام التدفئة ومشاكل فنية في البوصلة. ومنها استمرت الرحلة إلى جزيرة سانتا ماريا في جزر الآزور التي توقفت فيها لمدة 75 دقيقة للتزود بالوقود. وعند وصولها كانت الظروف الجوية سيئة وقرَّر الكابتن بريان دبليو ماكميلان وطاقمها البقاء هناك حتى اليوم التالي.
وكان من بين الركاب 16 بريطانيًا واثنان مكسيكيان واثنان تشيكيان وواحد سويسري وأربعة من عديمي الجنسية. وكان سبعة منهم متجهين إلى برمودا، و 12 متجهين إلى كينغستون عاصمة جامايكا، وستة متجهين إلى هافانا عاصمة كوبا. وتمت صيانة البوصلة مرة أخرى، وبعدها غادرت الطائرة مطار سانتا ماريا في الساعة 15:35 ظهرًا متجهة إلى برمودا.
وبعد فترة وجيزة من الإقلاع ضربتها الأمطار الغزيرة والرياح القوية. وكانت نجمة النمر قد أوشكت على تغيير وجهتها بسبب الرياح التي أبعدتها عن مسارها، ولكن قائدها كان يحاول الطيران بها إلى برمودا. وخلال طيرانها اكتشف الملَّاح سيريل إليسون أن طائرتهم قد انحرفت عن مسارها وكانت تبتعد عن برمودا. ووجَّه الكابتن ماكميلان لمسار جديد أوصل الطائرة إلى عاصفة رياح. ومع ذلك؛ كان ماكميلان يتوقع أن يتم الهبوط في برمودا على الرغم من أن الوقود يكفي لأقل من ساعة فقط.
أبلغت سفينة تجارية عن رؤية طائرة تحلِّق على ارتفاع منخفض مع وميض الأضواء في منتصف الطريق تقريبًا بين برمودا ومدخل خليج ديلاوير، مما يعني أنه إذا كانت هي ذاتها ستار تايقر، فقد انحرفت عن مسارها تمامًا. وفي الساعة 03:04، طلب ضابط الراديو روبرت توك وهو احد أفراد طاقم نجمة النمر من محطة برمودا الأرضية أن تقوم بإرسال اشارة لتحديد موقع المحطة والاتجاه نحوها، لكن الإشارة لم تكن قوية بما يكفي للحصول على قراءة دقيقة.
ولكن تم تكرار الطلب بعد 11 دقيقة وأرسل مشغل محطة برمودا الأرضية الإشارة وأقرَّ ضابط الراديو روبرت توك باستلامها منه. ولكن لم يتم تلقِّي أي اتصال آخر من الطائرة. واعتقد أنها تحوَّلت للاتصال المباشر مع برج المراقبة. ومع ذلك، حاول مشغل المحطة الأرضية التواصل مع الطائرة مرة أخرى ولكن دون جدوى. مما اضطره لإعلان حالة الطوارئ عن فقدانها على الرغم من عدم سماع أي نداء استغاثة منها.
وبدأت جهود البحث والانقاذ من قبل أفراد القوات الجوية الأمريكية على الفور واستمرت لمدة خمسة أيام على الرغم من سوء الأحوال الجوية. إذ حلَّقت 26 طائرة بحث لحوالي 882 ساعة طيران، وشاركت سفن بحرية أيضًا في هذا البحث ولكن لم يتم العثور على أي حطام للطائرة أو ركابها الواحد وثلاثون وطاقمها. وفي 1 فبراير 1948م أبلغت طائرة بحث عن رؤية عدة صناديق واسطوانة زيت على بعد 325 ميل شمال غرب برمودا. ولكن من غير المعروف عما إذا كانت لها علاقة بالطائرة المفقودة أم لا.
وجاء في تقرير لجنة التحقيق في الحادثة بأن طاقم نجمة النمر كان من ذوي الخبرة العالية، مع الاعتراف بوجود بعض النقص في العناية بتفاصيل الرحلة وخطتها. ولكن لا يوجد شيء خطير بما يكفي لتفسير الحادثة. وأفاد التقريرالختامي للتحقيق بأنه لا وجود لدليل موثوق عن سبب الحادثة واكتفى ببعض الاقتراحات والاحتمالات. ولم يُعرف ما حدث للطائرة وظل مصير “نجمة النمر” لغزًا إلى الأبد.
طائرة دوغلاس دي سي-3
في ليلة 28 ديسمبر 1948م، اختفت طائرة الركاب من نوع دوغلاس دي سي-3 والمسجلة تحت رقم NC16002 بعد أن كانت في رحلة مجدولة من سان خوان في بورتوريكو إلى ميامي في فلوريدا، حيث كانت تحمل 29 راكبًا و 3 من أفراد طاقم الطائرة. ولم يتم تحديد سبب اختفاؤها حتى من خلال التحقيقات الرسمية ولازالت هذه الحادثة بدول حل أو تفسير حتى الآن.
وكانت بقيادة الطيار روبرت لينكويست، ومساعد الطيار إرنست هيل والمضيفة ماري بيرك، وبعد وصولها من رحلة الذهاب من ميامي إلى سان خوان في الساعة 19:40 بتوقيت شرق الولايات المتحدة في 27 ديسمبر. كانت رحلة العودة إلى ميامي مجدولة وعلى وشك الاقلاع، ولكن الطيار أبلغ طاقم الصيانة المحلي بأن ضوء تحذير جهاز الهبوط لا يعمل وأن بطاريات الطائرة فارغة وأنه غير راغب في تأخير اقلاع الرحلة، وأنه سيقوم بإعادة شحنها بواسطة مولدات الطائرة خلال الرحلة.
قام الطيار لينكويست بقيادة الطائرة حتى نهاية المدرج للإقلاع بها ولكنه توقف في نهاية المدرج بسبب عدم وجود اتصال لاسلكي ثنائي الاتجاه بينه وبين برج المراقبة، على الرغم من أنه يمكنه استقبال اشارة البرج إلا أنه لم يكن يستطيع ارسال إشارة له، وكان ذلك بسبب انخفاض طاقة البطاريات وقام بإبلاغ المدير المسؤول عن ذلك. والذي خرج إلى الطائرة لفهم أسباب توقفها عن الاقلاع.
وبعدها تم اعطاء الموافقة للطيار بالإقلاع، على أن يطير بالقرب من مطار سان خوان حتى يتم إعادة شحن البطاريات بما يكفي للسماح بالإتصال الثنائي الاتجاه، وبعد الدوران جوًا حول المدينة لمدة 11 دقيقة، وعلى تمام الساعة 22:03 تلقَّى الطيار الإذن والتأكيد من إدارة الطيران المدني في سان خوان للبدء في رحلته، وأكَّد الطيار أيضًا بأنهم متجهون إلى ميامي في رحلة مجدولة مسبقًا.
وكان الطقس جيدًا مع رؤية واضحة تمامًا، لكن الطائرة لم تستجب للمكالمات اللاحقة من برج المراقبة في سان خوان. وفي الساعة 23:23 سمع مركز التحكم في حركة المرور على المسارات الجوية الخارجية في ميامي إرسالًا روتينيًّا من الطائرة دوغلاس دي سي-3 حيث أفاد الطيار بأنهم كانوا على ارتفاع 8,300 قدم (2,500 متر) وأن وقت الوصول المتوقع هو 04:03. وحدَّد موقعه على بعد 700 ميل (1,100 كيلو متر) من ميامي. وتم تكرار التواصل طوال الليل بشكل روتيني.
لاحقًا وفي الساعة 04:13 أفاد الطيار بأنهم على بعد 50 ميلًا (80 كم) جنوب ميامي، ولكن لم يتم سماع هذا الإرسال في ميامي ولكن تم التقاطه في برج مراقبة في نيو أورلينز، لويزيانا. على بعد 600 ميل (970 كم). وبالتالي قاموا بتحويله إلى برج مراقبة ميامي لتأكيد استلامه. وتعليقًا على هذا الفرق في المسافة في استلام هذه الإشارة.
ذكر تقرير التحقيق في الحادثة والصادر عن مجلس الطيران المدني أن الطيار ربما أبلغ عن موقعه بشكل غير صحيح. وفي هذا الوقت لم يكن لدى الطائرة سوى وقود كافٍ لمدة ساعة واحدة و 20 دقيقة من الوقت المتبقي للرحلة. وكان الطقس في ميامي صافيًا، لكن الرياح انتقلت من الشمال الغربي إلى الشمال الشرقي. وذكر التقرير أنه تم إبلاغ الطائرة بهذا التغيُّر في حركة الرياح، ولكن لم يتم التأكد من أن الطائرة قد استملت هذه الإشارة.
بحيث أنه من دون هذه المعلومات عن تغير الرياح فإن الطائرة ستنحرف مسافة 40-50 ميلًا (64-80 كم) عن مسارها، ممَّا أدَّى إلى توسيع نطاق عملية البحث لتشمل التلال في كوبا وإيفرجليدز، وحتى مياه خليج المكسيك. وفي 4 يناير 1949م، تم العثور على جثتين على بعد 90 كيلو متر جنوب خليج غوانتانامو في كوبا. ولكن من غير المعروف ما إذا كانت لها علاقة بالطائرة المفقودة.
وإذا افترضنا أن آخر رسالة للطائرة ليست في ميامي بل في نيو أورلينز وأن هذه الجثث كانت قد جاءت من الطائرة المفقودة، فهذا يعني أن الطائرة قد سقطت في مكان ما في مضيق فلوريدا بين فلوريدا وكوبا. ولكن لم يتم سماع أي إشارة أخرى من الطيار لينكويست ولم يتم العثور على الطائرة مطلقًا رغم كل جهود البحث عنها وبمشاركة فرق بحث وإنقاذ من عدة دول.
وفي السنوات اللَّاحقة، قام الباحثون في حالات الاختفاء الغامضة بتضمين هذه الرحلة الجوية مع حالات اختفاء أخرى قيل إنها اختفت فيما أصبح يسمى مثلث برمودا. وقد تم العثور على طائرة مشابهة للطائرة دوغلاس دي سي-3 من قبل الغواصين في مياه مثلث برمودا. ومن المحتمل أن تكون هي نفسها الطائرة المفقودة، لكن لم يتم التحقق من ذلك وبقى لغزها غامضًا حتى يومنا هذا.
اختفاء طائرة أفرو تيودور
في يوم 17 من شهر يناير 1949م اختفت طائرة الركاب المُسمَّاة نجمة ارييل من نوع أفرو تيودور التابعة للخطوط الجوية البريطانية لأمريكا الجنوبية، دون أن تترك أثرًا فوق منطقة مثلث برمودا، أثناء رحلتها بين برمودا وكينغستون عاصمة جامايكا. حيث لا تزال خسارة هذه الطائرة مع الخسارة السابقة لطائرة نجمة النمر التابعة لنفس شركة الطيران في يناير 1948م دون حل حتى يومنا هذا، وكل التكهنات الناتجة عن اختفائهما ساعدت على ظهور أسطورة مثلث برمودا.
بينما كانت طائرة نجمة ارييل على المدرج تنتظر تعليمات الإقلاع بدون أي ركاب من مطار كيندلي فيلد في برمودا، واجهت احدى الطائرات التابعة لنفس الشركة مشكلة فنية بالمحرك وهي على وشك الهبوط في نفس المطار، ولكنها هبطت دون أي أضرار. ممَّا إضطر مشغلي الرحلات إلى تحويل رُكَّابها إلى طائرة نجمة ارييل لتُقلع بهم إلى وجهتهم في كينغستون عاصمة جامايكا.
وأقلعت طائرة نجمة ارييل مع طاقمها المكوَّن من سبعة أفراد و13 راكبًا، في ظروف جوية ممتازة. حيث قرَّر قائدها الكابتن جون كلوثا ماكفي القيام برحلة على ارتفاع عالي للإستفادة منها. وبعد حوالي ساعة من الاقلاع وفي رسالة روتينية اتصل جون ببرج كنغستون يُبلغهم عن وقت اقلاعه ووصوله المقدر واحداثياته الحالية. ثم أعاد الاتصال بعد حوالي ساعة أخرى ليُبلغ عن موقعه وأنه سيقوم بتغيير نوع الإتصال. ليكون هذا آخر اتصال له ولكل ركاب الطائرة وتم الإبلاغ عن فقدان الطائرة.
وبدأت عملية البحث بمشاركة طائرة تابعة لنفس الشركة أقلعت من ناساو عاصمة جزر البهاما، كما أقلعت طائرة أخرى من برمودا للبحث عنها. وساعدت فرقة تابعة للبحرية الأمريكية بقيادة البارجة يو إس إس ميسوري ترافقها حاملات الطائرات يو إس إس كيرسارج ويو إس إس ليتي، وعشرات السفن والطائرات كذلك. وبحلول يوم 19 يناير تم توسيع مساحة البحث إلى 140,000 كم² جنوب غرب برمودا. وهي منطقة مثلث برمودا. وتم إيقاف عمليات البحث يوم 23 يناير دون العثور على أي علامات حطام أو بقع وقود على سطح الماء.
وخلص تقرير التحقيق النهائي إلى أنه بسبب عدم العثور على أي حطام للطائرة المفقودة فإن سبب الحادث غير معروف، مع ذكر عدم وجود أي عيوب في الطائرة أو اضطراب في حالة الطقس وأن قائد الطائرة كان من ذوي الخبرة هو وضابط الاتصال كذلك. وأن الوزن الكلي للطائرة ومركز الثقل ضمن الحدود المحددة لها. ليبقى لغز اختفاء الطائرة غامضًا مثل غموض منطقة مثلث برمودا وما تحويه من حوادث جوية وبحرية تثير الشك حتى يومنا هذا.
طائرة سي 119
في التاسع من يونيو 1965م إختفت الطائرة C-119 التابعة لسلاح الجو الأمريكي في منطقة مثلث برمودا وتحديدًا بين ولاية فلوريدا وجزيرة غراند تورك، وذلك بعد أن تم فقدان الإتصال بها بعد آخر مكالمة معها حدَّدت فيها موقعها بنقطة في شمال جزيرة كروكيد وهي إحدى جزر الباهاما على بعد حوالي 284 كم من جزيرة تورك الكبرى. وفي يوم 18 يوليو 1965م تم العثور على حطام هذه الطائرة على شاطئ غولد روك كاي قبالة الساحل الشمالي الشرقي لجزيرة أكلينز.
حوادث البحر
وفي عام 1880م وقعت حادثة اختفاء غريبة للسفينة البريطانية أطلنطا التي اختفت في المثلث وكان على متنها أكثر من 280 شخصًا ولم يتم الكشف عن لغز اختفاء السفينة كغيرها من حالات الاختفاء المماثلة، ومن حالات الاختفاء في المثلث حادثة اختفاء سفينة روزالي الفرنسية التي كانت تمر من المثلث عام 1840م واختفت دون سابق إنذار، والغريب في الأمر أنهم بحثوا عنها فترة طويلة في المثلث ولم يجدوا لها أثرًا غير أنهم بعد ذلك، وجدوا السفينة سليمة خارج مثلث برمودا لكن الذي أثار التساؤلات حولها اختفاء طاقمها ولم يتم العثور على أثر لهم.
ومن أهم حالات الاختفاء في مثلت برمودا والتي أثارت التساؤلات حول طبيعة هذا المثلث حادثة اختفاء السفينة اليابانية ليوكوجو مارو عام 1924م وقد كانت هذه السفينة على تواصل دائم وجيد مع برج المراقبة، وفجأة بدأت السفينة في إرسال رسائل استغاثة مضطربة ومتقطعة وسمع المراقبون في برج المراقبة عبارات غريبة تفيد أن أرواح من بالسفينة ستؤخذ بدون مهرب، وعلى الفور أرسلت الجهات المعنية سفنًا للإنقاذ لكنهم وصلوا إلى موقع الحادث ولم يجدوا شيئًا وكأن السفينة قد تبخرت.
إن الحوادث التي سبق ذكرها تؤكد أن مثلت برمودا من الأماكن التي يكتنفها الغموض والتي دفعت كثيرًا من الناس لإطلاق التكهنات والتفسيرات التي قد تكون غير طبيعية من أجل تفسير الحوادث الغامضة التي وقعت في المثلث الكبير.
تفسيرات حوادث مثلث برمودا
نتيجة لعدم وضوح الحوادث التي وقعت في منطقة مثلث برمودا وعدم وصول التحقيقات إلى نتائج ملموسة، بدأ البعض يلجأ إلى تفسيرات غير طبيعية من أجل حل لغز هذا المثلث، حيث نجد أن البعض قد طرح فكرة الأطباق الطائرة، وهي فكرة قد تبدو أقرب إلى الخيال العلمي وقد تم استخدامها والاعتماد عليها بالفعل في بعض أفلام الخيال العلمي.
وهناك بعض التفسيرات غير الطبيعية والتي حاولت تفسير حوادث مثلث برمودا تفسيرًا ربما يكون مرضيًا من الناحية الاعتقادية إلا أن هناك عدد من التفسيرات الغريبة بعض الشيء حيث زعم بعض الباحثين بوجود حيوان ضخم في منطقة مثلث برمودا يشبه سمكة القرش العملاقة، حيث تعيش على عمق 3000 قدم تحت الماء، وأحيانًا تصعد إلى عمق 2000 قدم، لكن تبقى هذه التخمينات دون أي دليل حيث أنها لا تستند إلى حقائق علمية يمكن الاعتماد عليها ما يجعلها ضربًا من التخمين.
ولعل تفسير وجود مخلوق عملاق يشبه سمكة القرش من التفسيرات الغريبة بعض الشيء، إذ لو كانت هذه السمكة ضخمة إلى الحد الذي يمكنها من خلاله التسبب في غرق سفينة، فكيف هو الحال مع الطائرات التي اختفت في المثلث؟! هل قامت السمكة العملاقة بالقفز في الجو وإسقاطها، كذلك فإننا نتحدث عن سفن شحن عملاقة تمر من هذا المكان.
فمن المعلوم أن منطقة مثلث برمودا من أكثر مسارات الشحن نموًا في العالم، حيث تمر من خلاله مئات السفن للوصول إلى الموانئ في الدول الأوروبية والأمريكيتين، وجزر البحر الكاريبي. إن هذه التفسيرات لا يمكن أن تكون مقبولة ونحن في القرن الحادي والعشرين والسبب أن معظمها يستند إلى أساطير قد تكون مُختَلَقَة بقصد، وهذا يؤكد أن حالات الاختفاء في مثلث برمودا لها أسباب مختلفة.
التفسيرات العلمية
ظهرت عدة تفسيرات علمية حاولت إلقاء الضوء على سبب وقوع هذه الحوادث الكثيرة في المثلث ومن أبرز هذه التفسيرات أن كثيرًا من الحوادث التي تقع في المثلث ترجع إلى الأخطاء التي تصاحب استخدام البوصلة، ولعل الحوادث البحرية أو الجوية المتعلقة بأخطاء البوصلة من الأمور الممكنة، فالخطأ في استخدام البوصلة يُعرِّض الطائرات والسفن للاصطدام بأجسام أو الخروج عن المسار ما ينتج عنه حوادث مروِّعة في الغالب.
حاول البعض تفسير حالات الاختفاء في المثلث إلى الأعمال التدميرية إذ إنها أحد الفرضيات المطروحة بقوة، فمن الممكن أن تكون حالات الاختفاء مصحوبة بأعمال حربية أو أعمال قرصنة، وقد عزَّز هذا الاتجاه أن بعض السفن التي اختفت في منطقة المثلث كان السبب في اختفائها بعض الأعمال العسكرية، وذلك في فترة الحرب العالمية الثانية وما تلاها من الحرب الباردة، وقد يكون هذا الافتراض من أقوى الافتراضات.
ذلك أننا لم نسمع عن حالات اختفاء في المثلث منذ فترة طويلة، وذلك بسبب تشديد أعمال الرقابة في تلك المنطقة، كما أن هذه المنطقة من المناطق الاستراتيجية في العالم، ومن مصلحة الجميع أن تبقى آمنة وبعيدة عن النزاعات والصراعات، وقد حاول البعض تفسير الحوادث في المثلث بأنها راجعة إلى أخطاء بشرية أو العوامل الجوية والأمواج العاتية في المحيط الأطلسي، ويبقى هذا الخيار مطروحًا ومقبولًا في المجتمع العلمي.
إن كل ما سبق يؤكد أن حوادث مثلث برمودا قد صحبها كثير من الأساطير والتهويل من شأنها، والواقع يؤكد أنها كغيرها من الحوادث التي تحدث في أي مكان في العالم، وقد قامت عدَّة وثائقيات حديثة بالتأكيد على أن كثيرًا من الحوادث التي وقعت في مثلث برمودا مختلقة أو صاحَبَها الكثير من المبالغة.
وقد أكدت الإحصائيات أن الحوادث التي وقعت في مثلث برمودا طبيعية إذا ما قورنت بغيرها من الحوادث التي وقعت في أماكن مختلفة من المحيطات والبحار، وهذا يؤكد أن ما يُثار عن مثلث برمودا هو محض خيال وروايات تناقلها الناس حيث أصبح العقل الجَمْعِي يعتبر مثلث برمودا من المناطق الخطيرة في العالم.