دعاء المطر
دعاء المطر
إذا نزل المطر فإن العبد بجانب استبشاره وفرحه، فإنه يقوم بذكر الله تعالى، ويقول كما قال النبي ﷺ حينما كان يرى المطر:
• “اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا“. (البخاري مع الفتح، 2/ 518، برقم 1032). والصَّيِّب هو ما يُصِيب الأرض من ماء، والنافع: أي النفع المترتب على نزول المطر والذي يتمثل في الإنبات أو تجمُّع الماء للشراب. ويقال دعاء المطر عند بداية نزول المطر وفي أثناء هطوله على الأرض.
• “اللهمَّ سُقيا رحمةٍ، ولا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ، اللهمَّ على الظِّرابِ ومنابِتِ الشجرِ، اللَّهم حوالينا ولا علينا” (الألباني، تمام المنة، رقم: 266).
• “مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ” (رواه البخاري 1/ 205 برقم: 846، ومسلم 1/ 83 برقم: 71). وهذان الدعاءان من أكثر الأدعية الواردة في هذا الباب.
• كما يُسَن للعبد أن يقول حين يرى نزول المطر: “رحمة“، لما ورد عن النبي ﷺ، إذ كان يَغْتَمُّ عندما يرى البرق والريح فيخشى أن يكون فيه صاعقة تأخذ العباد، وكان يفرح للمطر. وهذا ما تذكره لنا السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ الرِّيحِ وَالْغَيْمِ، عُرِفَ ذلكَ في وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ به، وَذَهَبَ عنْه ذلكَ، قالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقالَ: إنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكونَ عَذَابًا سُلِّطَ علَى أُمَّتِي، ويقولُ، إذَا رَأَى المَطَرَ: رَحْمَةٌ” (صحيح مسلم: 899). ويشير ذلك إلى أن العبد ينبغي له أن يستبشر عند هطول المطر لكونه رحمة من الله.
نعمة المطر
لو أن الأرض لم تستقبل مطرًا لِفترات طويلة، لحدثت أمورٌ شتَّى لا قِبل للناس بها، إنها أمور سوف تُغيِّر مسار حياة البشرية للأبد، وخاصة أن الماء هو أصل كل شيء في تلك الحياة، ومن الأمور التي ستحدث للأرض إذا لم ينزل المطر من السماء، التصحُّر أو الجفاف الذي يمكن أن يَفتِك بالحياة على كوكب الأرض، وأيضًا فإن عدم نزول المطر سيؤدي إلى موت النبات الذي يتغذَّى عليه البشر والحيوانات، مما يعني أن الماء هو أصل الحياة على كوكب الأرض، وأنه نعمة عظيمة من الله تعالى ويجب أن نشكره سبحانه عليها.
تتساقط قطرات المطر على الأرض فتُزيل ما بها من جُمود ويبس، ثم تتصاعد الكلمات حاملةً دعاء المطر إلى السماء، شاكرةً الله تعالى على نِعَمِه التي لا تُعد ولا تُحصى. فالمطر هو بشارة الأرض والأمل الذي يحوِّلها إلى الخُضرة بعد الجفاف، كما أن ماء السماء يسقي الإنسان والحيوان، إضافةً إلى أن الماء أصل الحياة ولا حياة دونه، يقول الله تعالى: “وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ“. (سورة الأنبياء: 30)، وتلك حكمة الله تعالى، إذ جعل كل شيء في الكون من الماء وفي حاجة إليه في الوقت ذاته.
ولمَّا كانت نعمة الماء عظيمة، فإن شُكرها يعد أمرًا واجبًا، وليس هناك أفضل من قول دعاء المطر والتماس بعض الأدعية النبوية وبعض الأذكار الخاصة بنزول المطر، لتكون تعبيرًا عن شكر نعمة الله تعالى، ابتداءً من الرياح التي تُثير السحب وتُحمِّلها بالماء، وانتهاءً بنزول المطر، يقول الله تعالى: “اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ“. (سورة الروم: 48). والودق عبارة عن حبيبات الماء التي تتنزَّل من السماء.
حال الرَّسُول ﷺ عند نزول المطر
كان النبي ﷺ إذا نزل المطر فإنه كان يكثر من ذكر الله تعالى، وكان دائم التلفظ بقول: “اللهم صيبًا نافعًا“، وقول: “اللهم حوالينا لا علينا“، وغير ذلك من أذكار وأدعية. غير أن هناك حالة للنبي ﷺ مع نزول المطر، نحاول أن نتوقف معها هنا للنظر في فعله ﷺ، وما كان يقوم به أثناء نزول المطر من السماء.
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: “أَصَابَنَا وَنَحْنُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَطَرٌ، قالَ: فَحَسَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَوْبَهُ، حتَّى أَصَابَهُ مِنَ المَطَرِ، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قالَ: لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ برَبِّهِ تَعَالَى“. (صحيح مسلم: 898).
ويوضح هذا الحديث حال النبي ﷺ مع المطر، إذ كان يُظهر بعضًا من جسده الشريف، ويعرضه للماء لكي يبتل به، ولما سأله الصحابة عن سبب فعله ذلك، قال: “لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ برَبِّهِ تَعَالَى“، وكأنَّه أراد أن يأخذ شيئًا من هذا المطر، أو أن يجعله يمس جسده الشريف لكونه جديدًا وحديث عهدٍ بربِّه، وفي هذا إشارة إلى أن العبد يُسَن له أن يفعل كذلك، فيعرض شيئًا من جسده (بخلاف العورة) للماء المتساقط من السماء، فيأخذ بركته ويتَّبِع سُنَّة نبيِّه ﷺ.
أعمال مستحبة عند نزول المطر
من أحب الأعمال التي يُرتجى فعلها عند نزول المطر، أن يقوم العبد بالدعاء والذكر، وأن يذكر شيئًا من الأحاديث التي ذكرناها سابقًا، وأن يذكر على وجه التحديد دعاء المطر، وكل الأدعية الواردة في هذا الباب. كما يُسنُّ أن نقول: “رحمة” عند نزول المطر، استبشارًا بما فعله النبي ﷺ حينما كان يخشى من الصواعق والرعد والريح خوفًا من أن يكون فيها صاعقة تأخذ العباد بأفعالهم كما حدث مع الأمم السابقة.
كما يسن للعبد أثناء نزول المطر أن يقوم بالدعاء بقول دعاء الرزق أو دعاء قضاء الحاجة او دعاء الفرج وغيرها من الأدعية والأذكار الصحيحة والإلحاح وطَرق باب الرحمن طلبًا لرحمته ومغفرته وعونه، ويُسن للعبد أن يسأل الله من الأمور ما شاء. كما يسن أن يقول عند المطر وبعده: “مُطرنا بفضل الله تعالى“.
فضل دعاء المطر
من أفضل الأعمال التي يستحب فعلها عند نزول المطر، الدعاء مع التقرب إلى الله به والإكثار منه، ذلك أن هذا الوقت خاصةً يعد مظنة لاستجابة الدعاء، ولذا ينبغي اغتنامه تلك الفرصة العظيمة، وأن تدعو بما تشاء، فقد روى مكحول عن النبي ﷺ قوله: “اطلُبوا استجابةَ الدُّعاءِ عند التِقاءِ الجُيوشِ وإقامةِ الصلاةِ ونُزولِ الغَيث“. (ابن حجر العسقلاني، نتائج الأفكار: 1/382- وصححه الألباني في السلسلة برقم: 1469).
لذا يجب ذكر دعاء المطر أو أدعية المطر أو أن تسأل الله بما تجده في نفسك في تلك الساعة، لكونها ساعة مباركة ويُظَن فيها قبول الدعاء، وجميع الآثار الواردة في هذا الباب سواء فيما ذكرناه هنا أو لم نذكره، تدل على قبول الدعاء وعدم ردِّه في تلك الفترة (ساعة نزول المطر)، فإذا رأيت المطر ينزل من السماء فإنه يُسن لك الوقوف والتعرض إليه ثم ذكر دعاء المطر والدعاء بما تشاء، وعليك أن تسأل الله من فضله، وأن تستبشر بتلك الرحمة التي ساقها الله إلى عباده.
ومن الغريب حقًّا أن بعض الناس اليوم يتشاءمون من نزول المطر، ويخشَوْن منه، ووَصل بهم الأمر إلى مرحلة الدعاء بألَّا تُمطر السماء، وذلك لكونهم يخشون من عدم الخروج أو لأنهم لا يَرَوْن أن المطر خير، وهذا فهم سقيم، لأن المطر نعمة عظيمة من الله عز وجل، فلولا وجوده لأصبحت الأرض جافة قاحلة ولَمَات الزرع والحيوان والنبات، ولم تعد الأرض صالحة للحياة.
إن دعاء المطر وتذكُّره وقوله باستمرار من الأهمية بمكان، لكونه سُنَّة واردة عن النبي ﷺ، كما يجب أن نعي أن حالته في أثناء نزول المطر، كانت تشير إلى أنه كان يُعرِّض بعض جسده للماء النازل من السماء، حرصًا على أخذ بركته ولكونه ما زال قريبَ عهدٍ بربِّه تعالى.