دعاء التوسل

دعاء التوسل

دعاء التوسل والاستعانة بالله تعالى من أنفع ما يُصْلِح عقيدة المؤمنين، ذلك أن أي عمل يقوم به العبد لا يكون مفيدًا ما لم يُقصد من ورائه وجه الله تعالى والاستعانة به من أجل تحصيل الأجر والثواب، لأن المؤمن يريد أن يرتقي ويصل إلى أعلى المنازل وأشرفها، ولكنه لا يستطيع أن يرتقي ويصل إلى ما يصبُو إليه إلَّا من خلال عون الله له وتوفيقه إياه.

ولذا فإن المؤمن حينما يقرأ سورة الفاتحة في صلاته في كل يوم يقول: “إياك نعبدُ وإياك نستعين“، وذلك في دعائه لله عز وجل بأن يُعينه على عبادته وحياته. والغريب حقًّا أن كثيرًا من الناس لا يفقهون كيفية التوسل لله والاستعانة به، ولا يدركون أهميته ومنزلته العظيمة، وأنه ضروري في حياة كل مؤمن، لأنهم لن يستطيعوا أن ينجزوا أي شيء دُنيَوي أو ديني إلَّا بعد عون الله وتوفيقه.

دعاء التوسل إلى الله

لقد كان دعاء التوسل إلى الله تعالى هو دأب الصالحين والمؤمنين، فقد أرشدنا الله سبحانه في كتابه في أكثر من آية بأهمية الاستعانة واعتبارها أساس العبادة، ومن ذلك قوله تعالى: “رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ“. (سورة آل عمران: 193).

وتحفل السنة النبوية المُطهَّرة بالكثير من الأحاديث التي تدل على الاستعانة بالله والتوكُّل عليه، ومن ذلك ما يلي:

• قال رسول الله ﷺ: “اللهم مَن آمن بك وشهِد أني رسولك، فحبِّب إليه لقاءك، وسهِّل عليه قضاءك، وأقلِلْ له من الدنيا، ومَن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك، فلا تحبِّب إليه لقاءك، ولا تُسهِّل عليه قضاءك، وأكثر له من الدنيا“. (أخرجه ابن حبان في صحيحه: 208).

• قال رسول الله ﷺ: “اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفِرْ لي ما قدَّمتُ وأخَّرتُ، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنتَ“. (البخاري: 1120، ومسلم: 2717).

• وهناك دعاء استعانة غاية في الجمال كان النبي ﷺ يقوله إذا قام إلى صلاته من الليل، وهو: “اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قَيِّمُ السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومَن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكلت، وإليك أَنَبْتُ، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدَّمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنتَ“. (مدارج السالكين، الإمام ابن القيم الجوزي: 1/20).

فقد ذكر النبي ﷺ التوسل بحمد الله تعالى والثناء عليه، وبالعبودية له وسؤاله المغفرة والعفو، وقد توجَّه ﷺ إلى الله تعالى بالتوسل به وحده مخلصًا النية لخالقه سبحانه.

أنواع التوسل

الاستعانة بالله تعالى ليست نوعًا واحدًا، بل إنها أنواع مختلفة، ونذكر منها ما يلي:

الاستعانة بالله تعالى: وهي استعانة بمن له حق العبادة، متضمنة الذُّل والخضوع من العبد لربه، مع الثقة والاعتماد عليه، قال ابن القيم: “والاستعانة بالله تتضمن ثلاثة أمور: كمال الذل له، مع الثقة به، والاعتماد عليه، ومن استعان بغير الله محققًا هذه المعاني الثلاثة فقد أشرك مع الله غيره”. أي أن الاستعانة بالله تعالى تتطلب هذه الأسس الثلاثة، فمن أقامها في غير محلِّها فقد أشرك بالله تعالى.

الاستعانة بالمخلوق في أمر يقدر عليه: وهذه الاستعانة مشروطة بالنيَّة والعمل، فإذا كانت النيَّة صالحة والعمل المقصود القيام به يدخل في باب الخير، فإنها تكون جائزة، لأنها تدخل في باب الإحسان، وإلَّا أصبحت إثمًا، مصداقًا لقوله تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ“. (سورة المائدة: 2). وهذا يجعل دعاء الاستعانة مقبولًا، ويُثاب عليه العبد.

الاستعانة بالأحياء أو الأموات على أمور لا يقدرون عليها: وهذا يدخل في باب الشرك بالله والعياذ بالله، فلا تكون الاستعانة مقبولة إلا إذا كانت خالصة لله تعالى وحده.

إن دعاء الاستعانة وأمرها وفق ما سبق، يجب أن يكون خالصًا لله تعالى، وإلا عُدَّ شركًا عياذًا بالله من ذلك، فإذا توجَّهت لأمرٍ من الأمور فاستعن بالله وأخلِص النية، فإذا عرض أمامك عارض ووجدت أن أحدًا من الناس يمكن أن يفيدك فيه، فاستعن بالله واطلب منه العون، ثم توجَّه لهذا الشخص ليقوم لك بما تحتاجه، ولكن كن على ثقة بأن النافع والضار هو الله تعالى، وأن أي شيء يمكن لغيرك القيام به لا يقوم إلا من خلال توفيق الله وسداده.

معنى الاستعانة

إن قولنا في كل صلاة “إياك نعبد وإياك نستعين“، معناه (كما قال الإمام السعدي) أي نخُصُّك وحدك يا الله بالاستعانة والعبادة. وهذا يُظهر أن معدن المسلم لا بد أن يكون قائمًا على الاستعانة بالله وحده دون سواه، فكأنه ينادي ربه في كل صلاة قائلاً: نعبُدك ولا نعبُد غيرك، ونتوجَّه إليك دون سواك، ونستعين بك ولا نستعين بغيرك. وبذلك تكون الاستعانة هي الاعتماد على الله تعالى الجالب للمنافع، والذي يدفع الضر، والذي عليه العون ومنه التوفيق والسداد. علمًا بأن الاستعانة بالله وعبادته وفق ما أراد، هي الطريق الموصل إلى السعادة الأبدية، والنجاة من كل الشرور.

دعاء التوسل إذن وفق ما سبق هو دعوة لأن تكون أعمالنا خالصة لوجه الله تعالى، وأن أي عمل يقوم به العبد يلزمه فيه التوسل والاستعانة، لأن الله تعالى إذا لم يُعِن عبده على أداء عباداته وتوفيقه للعمل الصالح، فإنه لن يحصل على ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي. وهذا ما نبَّه إليه الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى، فقد قال: “وأما الاستعانةُ باللَّهِ عزَّ وجلَّ دونَ غيره من الخلقِ، فلأنَّ العبدَ عاجزٌ عن الاستقلالِ بجلب مصالحِهِ، ودفع مضارِّهِ، ولا مُعينَ لهُ علَى مصالح دينِه. ودنياهُ إلا اللَهُ عزَّ وجل، فمنْ أعانَهُ اللَهُ، فهو المُعانُ، ومن خذَلَهُ فهو المخذولُ، وهذا تحقيقُ معنى قولِ: “لا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللَّهِ”.

فإنَّ المعنى لا تحوُّلَ للعبدِ منْ حالٍ إلى حال، ولا قُوَّةَ له على ذلكَ إلا باللَّهِ، وهذه كلمة عظيمة وهي كنز من كنوزِ الجنةِ، فالعبدُ محتاج إلى الاستعانةِ باللَّهِ في فعلِ المأموراتِ، وتركِ المحظوراتِ، والصبرِ على المقدوراتِ كلِّها في الدنيا وعندَ الموت وبعدَهُ من أهوالِ البرزخ ويومِ القيامةِ، ولا يقدرُ على الإعانةِ على ذلكَ إلا الَلهُ عزَّ وجل، فمنْ حقَّقَ الاستعانةَ عليه في ذلكَ كلِّه أعانَهُ”. (تفسير ابن رجب الحنبلي، ج1، ص 73).

منزلة التوسل

منزلة التوسل إلى الله تعالى بصفاته وأسمائه من أعظم الأعمال إلى الله تعالى، وذلك يعود إلى عدة أمور، هي:

  1. أن الاستعانة بالله تعالى هي أصل كل عبادة.
  2. أن الاستعانة تساعد المسلم على القيام بما أمر الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه.
  3. أنها تُعِين العبد على حياته الدنيوية والأخروية، دون أن يتكلَّف العناء والقلق وكثرة التفكير في أمور لا يستطيع أن يُدركها.
  4. أن الاستعانة مدخل لكل خير، ودافع للعبد من كل شر.

ولذا فقد قسَّم ابن القيِّم رحمه الله العباد في حالتهم مع الاستعانة إلى أربعة أقسام:

الأول: أهل العبادة والاستعانة بالله تعالى.

الثاني: مَن لا عبادة له ولا استعانة، وإن فعل شيئًا من ذلك فلا يقصد به مرضات الله تعالى ورضاه، بل قد يكون عمله سمعةً ورياءً.

الثالث: مَن كان له أي نوع من العبادة دون استعانة فنصيبه ناقص من التوكل والاستعانة بالله سبحانه، ولذا فإنه يصاب بالخذلان والضعف على قدر قِلَّة الاستعانة أو التوكُّل.

الرابع: مَن كانت لديه استعانة دون عمل أو عبادة، فهو يشهد بتفرُّد الله تعالى بالنفع والضر، ولكنه لم يَسِر وفق ما يُحبُّه الله تعالى ويرضاه، فتوكل عليه واستعان به على كل حظوظ الدنيا وشهواتها وطلب أغراضه الدنيوية وسعى إليها.

الأمور المُعينة عليه

من الأمور التي تعينك على دعاء التوسل، أن تخلص النية لله تعالى، وأن تجتهد في طاعته، وألَّا تفعل العمل إلا ابتغاء وجه الله تعالى وطلبًا لمرضاته، وأن تتخيَّر الأدعية الصحيحة الواردة عن النبي ﷺ وتُناجي ربك بها مثل دعاء قضاء الحاجة وغيره من أذكار الصباح أو أذكار المساء، وأن تكثر من صلاة الليل ومن التوسل لله تعالى بأسمائه وصفاته، وأن تُوقن أن الله عند حُسن ظن عبده به، فإن ظن به خيرًا وجد خيرًا، وأن تُحسن التوكل على الله عز وجل.

قد يعجبك أيضاً
أكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك، ويمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت. حسناً قراءة المزيد