دعاء الاستفتاح

دعاء الاستفتاح

دعاء الاستفتاح من الأدعية التي نحتاجها باستمرار سواء في أداء الصلوات المفروضة، أو في صلاة الليل، فهذا الدعاء نستفتح به صلاتنا، ويقال مباشرة بعد تكبيرة الإحرام وقبل البدء في القراءة، ولذا فإنه من المهم أن نتعرف على هذا الدعاء وأهميته وفضله الجزيل، لكي نتنبه له فلا ندخل إلى قراءة سورة الفاتحة دون قول دعاء الاستفتاح. ويشتمل هذا الدعاء على فضائل كثيرة، نذكرها فيما يلي.

دعاء الاستفتاح في الصلاة

يكون دعاء الاستفتاح بقول صيغة من الصيغ الاستفتاحية الواردة عن النبي ، وهذه الصيغ كثيرة، وعلى المصلي أن يختار بعضًا منها ويذكره بعد تكبيرة الإحرام مباشرة، أي في الركعة الأولى، وقبل أن يدخل إلى تلاوة فاتحة الكتاب. ونذكر فيما يلي بعض تلك الصيغ، وهي كما يلي:

• وأصح ما ورد في دعاء الاستفتاح أن يقول المصلي بعد تكبيرة الإحرام: “اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وبيْنَ خَطَايَايَ كما بَاعَدْتَ بيْنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِن خَطَايَايَ كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِن خَطَايَايَ بالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ“.

فقد روى أبو هريرة أن رسول الله ، كان: “إذَا كَبَّرَ في الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، بأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، ما تَقُولُ؟ قالَ أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وبيْنَ خَطَايَايَ كما بَاعَدْتَ بيْنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي … (إلى آخر الحديث المذكور آنفًا)”. (صحيح مسلم: 598).

• “سبحانكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ وتباركَ اسمُكَ وتعالى جدُّكَ ولا إلهَ غيرُكَ“.

فقد ورد عن النبي أنه كان: “إذا قامَ منَ اللَّيلِ واستفتحَ صلاتَهُ وكبَّرَ قالَ سبحانكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ وتباركَ اسمُكَ وتعالى جدُّكَ ولا إلهَ غيرُكَ ثمَّ يقولُ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ ثلاثًا ثمَّ يقولُ أعوذُ باللَّهِ السَّميعِ العليمِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ من همزِهِ ونفخِهِ ونفثِهِ”. (مجمع الزوائد: 2/268). وهذا الدعاء يكون بعد تكبيرة الإحرام، أي في الركعة الأولى فقط.

• كان رسولُ اللهِ إذا افتتَحَ الصَّلاةَ كَبَّرَ، ثم قال: “وجَّهتُ وجهي للذي فطر السَّماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إنَّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريكَ له، وبذلك أُمِرْتُ وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنَّه لا يغفر الذُّنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيّئها، لا يصرف عني سيّئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كلّه في يديك، والشَّر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ، أستغفرك وأتوب إليك“. (سنن الدارقطني: 1137).

ونلاحظ هنا أن هذا الدعاء يعد من أطول أدعية الاستفتاح الواردة في هذا الباب، ولكنه دعاء شامل، يقف فيه النبي على جميع الأمور التعبدية التي يناجي بها ربه قبل أن يدخل إلى صلاته. وهناك صيغ أخرى كثيرة ولكن الصيغ المذكورة تعد هي الأشهر من بينها، والمهم أن يستفتح العبد صلاته بذكر شيء من تلك الأدعية، فإذا فعل ذلك فهو سُنَّة مستحبة، وأن نسِي أو جهل فلا بأس في ذلك وصلاته صحيحة بإذن الله تعالى.

فضله

لدعاء الاستفتاح فضائل كبيرة، وأهمية عظيمة، فمِن تلك الفوائد التي تعود على العبد المسلم الذي يبدأ صلاته به، ما يلي:

• تربية المؤمن على فضيلة تعظيم الله تعالى وتنزيهه والاعتراف بعبوديته والاستسلام لمشيئته سبحانه؛ ذلك لأن هذا الدعاء يحوي ألفاظ المدح والثناء لله تعالى.

• تخليص العبد من ذنوبه وآثامه؛ لأن العبد يظهر كامل الضعف والخضوع بين يدي الله تعالى، وهذا مقصد من مقاصد العبادة.

• طلب الهداية من الله تعالى، بأن يوضح لعباده الحق من الباطل ويشرح طريقهم إلى الخير والفلاح، وأن ينجيهم من الدمار والهلاك.

• إثبات المشيئة لله تعالى، وأنه الواهب والمعطي، وأن غفران الذنب بيده وكذلك تقبُّل الطاعة.

• يُربِّي دعاء الاستفتاح المؤمن على الإيمان بالغيب وعلى ألوهية الخالق وربوبيته، ويعالج مشكلة ضعف اليقين عند بعض العباد، ويزيل الشك والزيغ من نفوسهم.

• يدل على أن الصلاة نور للمؤمن، ولذا يستفتح صلاته بذكر أن الله نور السموات والأرض، ومن ثم فالمحافظة على الصلاة نور لبصيرة العبد.

دعاء الاستفتاح في قيام الليل

يشرع للمصلي أن يستفتح صلاة الليل، ومنها التهجد أيضًا، بذكر دعاء الاستفتاح، سواء الأدعية الواردة في الصلوات المفروضة، أو أي استفتاح آخر، ولذا يمكن للمصلِّي في قيام الليل أن يقول بعد تكبيرة الإحرام:

• كان النبي إذا قام لصلاته من الليل قال: “اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ لكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ“. (صحيح البخاري: 1120).

وهناك أدعية أخرى للاستفتاح من صلاة الليل، فقد سُئِلت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عمَّا كان النبي يستفتح به صلاته من الليل، فقالت: “كانَ يُكبِّرُ عشرًا ويحمدُ عشرًا ويسبِّحُ عشرًا ويستغفرُ عشرًا ويقولُ اللَّهمَّ اغفر لي واهدني وارزقني وعافني ويتعوَّذُ من ضيقِ المقامِ يومَ القيامةِ“. (صحيح ابن ماجه: 1123).

ومنه أيضًا أنه كان يقول إذا قام إلى صلاته من الليل: “اللَّهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ، عالمَ الغيبِ والشَّهادةِ، أنتَ تحْكمُ بينَ عبادِكَ فيما كانوا فيهِ يختلفونَ، اللَّهمَّ اهدني لما اختلفَ فيهِ منَ الحقِّ إنَّكَ تَهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ“. (صحيح النسائي: 1624).

والأدعية والأذكار في هذا الباب كثيرة، ولعل تنوع تلك الأدعية يدل على أن النبي كان يغيِّر منها في صلاته، فقد يستفتح صلاته بهذا الدعاء، فإذا بدأ في صلاة أخرى استفتح بغيره، وهذا يعطينا دليلًا على مشروعية التنوع بين تلك الأدعية الاستفتاحية، فكلها واردة عن النبي ، وقد ذكرها في صلاته، ولا بأس من ذكر أحدها بعد تكبيرة الإحرام.

ومن خلال ما ذكرناه آنفًا عن دعاء الاستفتاح فإنه لا يوجد فرق بين الاستفتاح في صلاة القيام مطلقًا أو في صلاة التهجد خاصة، إلا ما قد ذكره بعض أهل العلم، إذ نجد أن ابن عثيمين يفرِّق بينهما بقوله: “استفتاح صلاة التراويح ليس كاستفتاح صلاة التهجد الذي يكون بعد النوم، بل هو استفتاح كسائر الصلوات، يقول الإنسان: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، أو يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك” (جلسات رمضانية، ابن عثيمين).

ملخص المقال

دعاء الاستفتاح يعد سُنَّة مستحبة واردة عن النبي ، وإذا صلَّى العبد ولم يستفتح في صلاته، فإن صلاته تكون صحيحة وفقًا لما عليه الجمهور، فجميع العلماء وأصحاب المذاهب يرون أن الاستفتاح سُنة مستحبة. وإن كان الأفضل أن يجعل المسلم صلاته أشبه شيء بصلاة النبي ، وأن يفعل مثلما كان يفعل في صلاته وعباداته وسائر أمره.

وهو من الأدعية المهمة التي لا يجب أبدًا أن نغفل عنها، بل يجب أن نحفظ صيغته وأن نردده بعد تكبيرة الإحرام مباشرة، ولا بأس في ذكر أي صيغة من الصيغ الواردة عن النبي ، ويمكن التنويع بينها، كما يجب التفرقة بين دعاء الاستفتاح في قيام الليل أو التهجد، وبين قوله في الصلوات المفروضة، وعامة فإن الاختلافات هيِّنة بين الأمرين.

قد يعجبك أيضاً
أكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك، ويمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت. حسناً قراءة المزيد