الضبع

الضبع المرقط

الضبع هو أحد أبغض الحيوانات المفترسة وأشدها غرابة، لذلك دارت حوله الروايات والأساطير والخرافات وتناقل الناس على مدار الزمن قصص صراعه مع باقي الحيوانات، لاسيما الأسد، كما عُرف عنه قوة فكَّيه وأسنانه الطاحنة واستخدام السَّحَرة لعظامه في أعمالهم خاصة في مناطق غرب أفريقيا.

هو حيوان ثديي من فصيلة الضبعيَّات ورتبة آكلات اللحوم (اللَّوَاحم)، يعيش في أجزاء واسعة من قارة أفريقيا والشرق الأوسط وغرب آسيا وجنوبها وعلى الرغم من السُّمعة السيئة المتعلقة به كونه آكل للجِيَف، فإن عمله هذا يحفظ التوازن البيئي بشكل كبير.

ظهر لأول مرة في العصر الميوسيني في قارة أوروبا منذ حوالي 17 مليون سنة وخرج منها حوالي 70 نوعاً على مدار تاريخها النشئي، أربعة منها لا تزال على قيد الحياة حتى اليوم، وهي تنقسم إلى نوعين من العائلات الفرعية من الضبعيات:

النوع الأول، الضباع الفعلية، وهي تتميز بأسنان قوية وهي: الضبع المرقط أو (الذيخ)، والمخطط (العزفاء)، والبني (الغثراء). ويتغذى المرقط بشكل أساسي عن طريق الصيد النشط، في حين أن المخطط والبني هي في الأساس من آكلي الجيف.

أما النوع الثاني فهي أحادية النمط والمتبقي منها، ذئب الأرض (العسبار)، الذي يتغذى على الأرضة (جنس النمل الأبيض)، وبالتالي تقلَّصت أضراسه بشكل كبير.

 

مواصفات الضبع

على الرغم من مظهرها الشبيه بالكلاب، إلا أنها تُصنَّف على أنها قطط ضمن الحيوانات المفترسة، والتي تدعمها سمات الجمجمة، ولا سيما بنية التجويف الطبلي. ولقد أثبتت الدراسات الجزيئية أن الصنف الشقيق للضباع هو صنف شائع من النمس والحيوانات آكلة اللحوم في مدغشقر.

تمتلك الضباع جذوعاً قصيرة نسبياً وهي ضخمة إلى حد ما وتشبه الذئب في التركيب وأعناقها سميكة وقصيرة وجماجمها تشبه ظاهرياً تلك الخاصة بالكلبيات الكبيرة، لكنها أكبر وأثقل بكثير وتبدو عرجاء في مشيتها، لكنها ليست كذلك.

يبلغ طول رأس الضبع وجسده من 55 إلى 160 سم وذيله قصير نسبياً يصل طوله عند 20 إلى 40 سم. ويبلغ ارتفاع كتفيه من 45 إلى 81 سم، ورجلاه الأماميتان أطول وأكثر قوة من رجليه الخلفيتين، وهذا هو سبب تقوس ظهره الواضح.

الذكور في معظم أنواعها أكبر من الإناث، باستثناء أنثى الضبع المرقط، لأن أنثى هذا النوع أكبر بحوالي 10% من الذكر. وتزن النوعية الفعلية من 26 إلى 55 كجم، ويصل وزن المرقطة الفردية إلى 86 كجم؛ ويعتبر ذئب الأرض أصغر الأنواع وأخفها وزناً حيث يبلغ وزنه من 8 إلى 14 كجم.

ولدى الضباع أربعة أصابع في الأرجل الأمامية والخلفية، باستثناء ذئب الأرض، فهو لديه إصبع خامس على كل من أرجله الأمامية. وكفوفها منتفخة مثل الكلاب ولها مخالب قصيرة وغير حادة وغير قابلة للسحب وألسنتها خشنة مثل ألسنة السنوريات والزباديات.

شعر الضبع خشن، باستثناء النوع المرقط وجلدها سميك وجميع الأنواع لها عُرْف (شعر متلبِّد) يمتد من الأذنين إلى الذيل. ويمكنه أن ينصب هذا العُرف، فيبدو حجمه أكبر. ويختلف شكل الفراء حسب النوع ضمن درجات من اللون البني أو يظهر مرقط أو مخطط. وذيله كثيف الشعر.

 

رأسه وأسنانه

توجد السمات التشخيصية للضباع في العظم الوتدي، الذي لا يحتوي على قناة ألسفينويد، وفي عظام منطقة الأذن الوسطى، حيث يكون الجزء الداخلي من الفقاعة الطبلية صغيراً ولكن الجزء الخارجي منتفخاً.

بالإضافة إلى ذلك، تظهر أكبر الاختلافات بين العائلتين الفرعيتين في هيكل الجمجمة والأسنان، حيث تمتلك الفعلية منها رأساً ضخماً على رقبتها القوية وأنفُها عريضة، أما رأس نوع ذئب الأرض فهو نحيل مع أنف مدببة.

تشبه أسنان الضباع تلك الخاصة بالكلاب، لكنها أكثر تخصصاً في تناول الطعام الصلب وسحق العظام وهي أسنان قاطعة (رباعية الفك العلوي والسفلي) غير متخصصة والقواطع العلوية أكبر من السفلية وأنيابها قصيرة ولكنها سميكة ومتينة وتعتبر أسنان الفعلية قوية للغاية. فأسنان الضواحك (النواجذ) كبيرة مصممة لكسر العظام، خاصة أسنان الضواحك الثالثة العلوية والثالثة السفلية.

ويتميز المينا في أسنانها ببنية معقدة تمنع تكسرها. وقد تحول سن الضاحك العلوي الرابع وأول ضرس سفلي إلى نابين كما هو الحال في جميع الحيوانات آكلة اللحوم على اليابسة؛ وهي أسنان على شكل نصل تستخدم لقطع اللحم. والأضراس خلف الأنياب قليلة أو غير موجودة تماماً، مما ترك مساحة أكبر تشغلها الأسنان المتبقية، حيث تمددت أسنان الضواحك وأصبحت الأنياب محمية بشكل أفضل من التآكل.

ويصل مجموع أسنان الضبع الفعلي إلى 34 سناً، بينما يبلغ مجموع أسنان ذئب الأرض، ما بين 28 إلى 32 سناً. وتتصل عضلات مضغ قوية بالأسنان القوية للضباع الفعلية وللعضلة الصدغية قمة عالية عند نقطة الاتصال بالجمجمة. وتضمن لها الجمجمة المنحنية قوة عض أفضل، بفضل فكيها غير العاديين، فيمكن للنوع المرقط تطوير قوى عض بقوة تزيد عن 9 كيلو نيوتن وقد بلغ من قوة فك الضبع التي سُجِّلت عند الأنواع المخططة والمرقطة قدرتها على قتل الكلاب بعضة واحدة في الرقبة دون خدش الجلد.

ويشتهر النوع المرقط بعضته القوية المتناسبة مع حجمه، لكن عدداً من الحيوانات الأخرى (منها شيطان تسمانيا) عضتها أقوى نسبياً. كما أن أسنانها قادرة على سحق عظام سيقان الزرافات ووحيد القرن وأفراس النهر التي يزيد قطرها عن 7 سم. أما فك ذئب الأرض فهو متكيف مع نظامه الغذائي الذي يتركز على الحشرات لذلك هو مكون من حنك واسع مع لسان مسطح مغطى بحليمات كبيرة مخروطية الشكل.

ولدى جميع أنواعها بساط شفاف في عيونها، مما يسمح لها بالرؤية جيداً في الليل ويمنحها لمعاناً مرعباً. ولها أذنين كبيرتين ومدببتين، ما عدا النوع المرقط الذي يملك أذنين مستديرتين.

وتوجد عدة غدد دهنية بين فتحات الغدد الشرجية وفوقها، تنتج سائل تفرزه على سيقان الأعشاب. ورائحة هذا الإفراز قوية جداً، تُستخدم في المقام الأول لتحديد مناطق النفوذ، بينما يفرز كلا من ذئب الأرض والنوع المخطط هذا السائل عند مهاجمتهما.

 

أين يعيش الضبع

تعيش في موطنها الأصلي في الكثير من أنحاء أفريقيا وغرب وجنوب آسيا. في أفريقيا، يمتد موطنها من جبال الأطلس إلى جنوب أفريقيا، لكنها تندر في مناطق الصحراء الكبرى وحوض الكونغو. وفي آسيا، يمتد موطنها من تركيا وشبه الجزيرة العربية مروراً بأفغانستان والهند. وكانت منتشرة في أجزاء كبيرة من أوراسيا خلال العصر الجليدي، ولكن لا يُعرف منها سوى جنس منقرض واحد عاش في تلك المنطقة هو “الضبع الراكض”، والذي كان يستوطن أيضاً أمريكا الشمالية. ولم تستوطن الضباع أمريكا الجنوبية وأستراليا قط.

يعيش في آسيا نوع واحد فقط هو النوع المخطط. وهو يسكن أيضاً شمال إفريقيا وبالتالي فهو يستوطن أقصى الشمال دوناً عن باقي الأنواع. ويقطن النوع المرقط في أنحاء كثيرة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويعيش ذئب الأرض في منطقتين منفصلتين في شرق وجنوب أفريقيا، بينما يستوطن النوع البني منطقة صغيرة نسبياً في جنوب القارة.

بشكل عام، يعيش هذا الحيوان المفترس في مناطق جافة شبيهه بالصحاري وفي مناطق السافانا وسهوب الأدغال والمناطق الجبلية الصخرية؛ في بعض الأحيان يمكن العثور عليها أيضاً في مناطق المستنقعات والغابات الجبلية. كما يمكن العثور عليها في المرتفعات الإثيوبية على ارتفاع 4100 م. ومع ذلك، تتجنب العيش في الصحاري الرملية النقية وكذلك الغابات المطيرة المنخفضة. وتخشى البشر قليلاً وتبقى أحياناً بالقرب من المستوطنات البشرية.

 

سلوكه الاجتماعي

يتنوع السلوك الاجتماعي عندها بشكل كبير، إذ تعيش المرقطة والبُنِّيَّة منها في مجموعات تسمى “العشائر”. في كلا النوعين، تشكل مجموعات الإناث ذات القربى جوهر العشيرة، بينما يهجُر الذكور القادرون على الإنجاب هذه العشيرة ولا يرتبطون بالإناث.

ويعتبر السلوك الاجتماعي للمرقطة منها فريداً بين الحيوانات آكلة اللحوم؛ فهو يشبه سلوك بعض قرود العالم القديم، مثل قرود البابون. في هذا النوع، يمكن أن تضم العشائر ما يصل إلى 80 ضبعاً، والتي تنقسم بشكل متكرر إلى مجموعات فرعية أصغر وتعود لتتجمع مرة أخرى معاً.

تهيمن الإناث على هذه العشائر في تسلسل هرمي صارم، مع كون الرُّتَب وراثية حيث تساعد الأمهات بناتهن في الوصول إلى نفس المركز مثلهن. ويكون الذكور دائماً خاضعين للإناث وكلما طالت مدة انتمائهم إلى المجموعة، ارتفعت رتبة مجموعتهم. وفي حالة النوع البني، تتألف العشائر من 4 إلى 14 ضبعاً.

تُعَد الضباع حيوانات إقليمية، ويتباين حجم الإقليم حسب النوع والغذاء؛ تبلغ مساحة أراضي النوع المرقط في مناطق السافانا الغنية بالفرائس في شرق إفريقيا حوالي 20 كم²، بينما أراضي الأنواع المرقطة والبنية في المناطق الجافة في جنوب أفريقيا يمكن أن تزيد عن 1000 كم².  وتحوي أراضي ذئب الأرض حوالي 3000 تل للنمل الأبيض وتبلغ مساحتها 1.5 إلى 4 كيلومتر مربع.

وتنتهي عمليات الصيد عند حدود مناطق الإقليم. والتي تُحدد بإفراز قوي لتحذير الدخلاء، يسمح هذا الإفراز للضباع بتحديد الجنس والحالة الإنجابية وعضوية المجموعة للضباع الأخرى وإذا واجه الضبع دخيلاً في منطقته، فإنه يحاول إبعاده، لكن في بعض الأحيان يقع شجاراً بالعض.

تسير الضباع وتتنقل على الأرض دوماً ولا يمكنها تسلق الأشجار، لكنها تتحرك جيداً على التضاريس الصخرية. وهي حيوانات شديدة التحمُّل، ويمكن للبُنِّيَّة منها أن تمشي أكثر من 50 كم في الليلة. وجميع أنواع الضباع هي في الغالب ذات نشاط ليلي، ونادراً ما تبحث عن الطعام عند الغسق وفي حالة الضبع المرقط، يخرج خلال النهار عندما يكون الطقس ممطراً غائماً.

وفي النهار تنام في الجحور، أو مختبئة في الأدغال أو حتى على الأرض. غالباً ما ينام ذئب الأرض في الجحور التي استولى عليها من الأرانب الأفريقية أو الحيوانات الأخرى؛ وتقوم أحياناً بحفر جحورها الخاصة أو تسكن في شقوق الصخور. ولا يسكن النوع المرقط في أي جحور إلا لتربية صغاره فقط.

 

صوت الضبع

بجانب الروائح، تستخدم أصواتها للتواصل فيما بينها نظراً لمساحة الإقليم الواسعة. وتصدر ثلاثة من أربعة أنواع منها أصواتاً قليلة فقط. في أحسن الأحوال، يكون عبارة عن هدير أو صرير لا يمكن سماعه إلا لمسافات قصيرة.

في المقابل، لدى الضبع المرقط مزيجاً غنياً من الاتصالات الصوتية؛ الصوت الأكثر شيوعاً هو صوت عواء عالي، والذي يمكن سماعه على بعد عدة كيلومترات ويستخدم للاتصال بأعضاء العشيرة الآخرين. كما أنها تصدر أصوات الشخير والبكاء والخوف.

أخيراً، يُعرف عند الضبع أيضاً صوت الضحك أو الضحك الذي يشبه الضحك البشري؛ يشير ذلك إلى أن الحيوان يقبل رتبة أقل في مجموعته. وفي اللغة صوت الضبع يسمى: عشير أو زمجرة أو خفخفة.

 

الغذاء

تملك أنواعها الأربعة ثلاثة مجالات بيئية مختلفة من حيث النظام الغذائي. والمرقطة منها هي صيَّادات نشطة، وتحصل على 60% إلى 95% من فرائسها بأنفسها. ولديها مجموعة واسعة جداً من الفرائس تتراوح من الحشرات إلى الأفيال.

ومع ذلك، فإنها تقتل في أغلب الأحيان ذوات الحوافر الكبيرة، كأنواع الظباء المختلفة والغزلان أو الحُمُر الوحشية والحيوانات البرية. وبحسب الفريسة، يكون الصيد إما فردياً أو جماعياً. وهي لا تتسلل إلى فرائسها، لكنها تعتمد على قدرتها على تحمل مشقة المطاردة.

وبالإضافة إلى الحيوانات التي تصطادها بأنفسها، فإنها تأكل أيضاً الجيف أو تتطفل وتسرق فرائس غيرها، من الحيوانات آكلة اللحوم الأخرى مثل ابن آوى والفهود والنمور والكلاب البرية الأفريقية وقريناتها الفعلية الأخرى، وكذلك الأسود.

وتعتبر الأنواع المخططة والبنية من الحيوانات القَمَّامة (زبَّالُون)، وهي تتغذى أيضاً على الفرائس التي تصطادها وتأكل بعض النباتات. تُشكِّل جيف الفقاريات الكبيرة جزءاً هاماً من نظامها الغذائي. بفضل أسنانها القوية، يمكنها أيضاً سحق العظام السميكة أو أصداف السلاحف، ويمكن لجهازها الهضمي الفعال هضم جميع أجزاء جسد الحيوان باستثناء الشعر والحوافر والقرون.  ولا تؤثر السموم البكتيرية الموجودة في الجِيَف على جهازها الهضمي أو المناعي.

وبالإضافة إلى ذلك تعتبر الثدييات الصغيرة والطيور وبيضها وكذلك الحشرات مكملة لنظامها الغذائي. لكن من غير الواضح إلى أي مدى يمكنها صيد فريسة كبيرة، حيث أنها ليست ماهرة في الصيد، ومعظم عمليات صيدها تفشل. باستثناء النوع البني الموجود على ساحل ناميبيا، والتي تصطاد فقمات الفراء الجنوب أفريقية الصغيرة التي تعيش هناك بسهولة كبيرة.

في حين يتغذى ذئب الأرض على النمل الأبيض حصرياً تقريباً، على الرغم من تخصصه في حشرات أخرى من جنس الأرضيات. حيث يتحرك النمل الأبيض من هذا الجنس حول سطح الأرض في مجموعات كبيرة ليلاً ويلعقها ذئاب الأرض بألسنتها اللاصقة. ويفرز جنود هذا النمل الأبيض سُماً لا يطاق ضد العديد من الثدييات الآكلة للحشرات، باستثناء خنزير الأرض (شفاط النمل)، لكن بفضل عدم حساسيتها تجاه هذا السم، تتجنب ذئاب الأرض إلى حد كبير التنافس على الطعام مع الحيوانات الأخرى.

وباستثناء المرقطة منها، التي تصطاد في مجموعات، عادة ما تتغذى الضباع بشكل فردي، ولكن قد يتجمع العديد منها وتتغذى معاً على فريسة أو جثة أكبر. ولا تحتاج للشرب. ومع ذلك، إذا كان الماء متاحاً، فإنها تشرب يومياً. وتحصل الأنواع المخططة والبنية على احتياجاتها المائية من نبات القرع والنباتات الأخرى.

 

التكاثر

يختلف سلوك التزاوج عند الضباع. وغالباً ما يسود السلوك غير الشرعي، أي يتكاثر الذكور والإناث مع عدة شركاء لكل منهما. بالإضافة إلى ذلك، يظهر عند المخططة منها أحياناً تعدد الأزواج للأنثى عند التزاوج، وهو أمر نادر الحدوث في الثدييات. اختيار الشريك متغير أيضاً، في حالة النوع البني، يجري اختيار الذكور الرُّحَّل أحياناً كشركاء والذين يتجولون في أراضي العشيرة دون أراضيهم الخاصة، الأمر الذي قد يعتمد على الإمدادات الغذائية. في حوالي 40% من حالات إنجاب ذئب الأرض، لا تتزوج الأنثى من الشريك الذي تعيش معه، بل من ذكر أكثر عدوانية وأقوى من منطقة مجاورة.

في معظم الحالات، لا يكون التكاثر موسمياً، ولكن يمكن أن يحدث على مدار العام. وبعد فترة حمل تتراوح من 90 إلى 110 يوم، تلد الأنثى من واحد إلى أربعة حيوانات صغيرة، وقد تصل إلى خمسة. وتقضي حديثة الولادة منها أسابيعها القليلة الأولى في الجحور. بعد بضعة أسابيع، تبدأ الصغار في استكشاف المنطقة خارج الجحر.

وبعد بضعة أشهر، تخرج للمرة الأولى للبحث عن الطعام، في البداية برفقة حيوان بالغ، ولاحقاً بمفردها. وتوضع الصغار تحت الرعاية لفترة طويلة نسبياً، ويتم فطامها في عمر 12-16 شهراً. وتصل إلى النضج الجنسي في السنة الثانية أو الثالثة من العمر.

 

في الثقافة والمعتقدات

تكثر الأساطير حول الضباع في أفريقيا وآسيا، وهي تلعب دوراً متناقضاً في القصص الأفريقية: فمن ناحية، تُعتبر حيوانات عدوانية وخطيرة، ومن ناحية أخرى يرمز لها أحياناً بالقوة والقدرة على التحمل وتعتبر حيوانات مقدسة.

تقول أساطير شعب التابوا في شرق إفريقيا، أن الضبع المرقط أحضر الشمس لتدفئة الأرض، لكن في ثقافات غرب إفريقيا يرمزون إليها بالصفات السيئة.

ويقال عنها إن السحرة تركب هذه الوحوش، وتُستخدم أقنعة الضباع في الطقوس من قبل بعض الناس لنقل المكر والصفات الأخرى لمن يرتديها. تشتهر الضباع بين شعب البنغ، وهي مجموعة عرقية في ساحل العاج، بأنها لصوص القبور الذين ينبشون عظام البشر (ضد إرادة الإنسان).

أما في نيجيريا، تعتبر بالنسبة لقبائل اليوروبا، رمزاً لنهاية كل شيء، حيث تقوم بتنظيف الجثث التي خلفتها الحيوانات آكلة اللحوم الأخرى ويُشار إلى أعضاء مجموعة صغيرة من قبائل الهوسا العرقية باسم “شعب الضبع” وهم يستخدمون الموسيقى وتدريب الضباع لجذب الانتباه لبيع السلع.

وفي إثيوبيا، يُعرف الرجال الذين يروِّضونها باسم “رجال الضباع” ويعتبر إطعامها في مدينة هرر من المعالم السياحية. وفي أفريقيا عامةً يُطلق لقب الضباع على تجار المخدرات ولصوص البنوك ورؤساء العصابات.

وفي الشرق الأدنى والأوسط، تعتبر هذه الحيوانات من مظاهر الجن وتكثر الأساطير المحلية حول المواجهات مع الضباع الغامضة أو الهجينة البشرية التي تسمى “كفتار” في إيران. وقد نُسب إلى بعض أعضاء جسد الضبع قوى سحرية على الشفاء منها استخدام اللسان لعلاج الأورام، وكانت هذه الممارسات معروفة في اليونان وروما القديمة.

وقد ذكر أرسطو في كتابه “تاريخ الحيوانات” أن الضباع تحب اللحوم الفاسدة وتحفر المقابر للحصول على شيء لتأكله. ومع ذلك، رفض الادعاء بأن الضباع خنثى، على الرغم من أن هذا الخطأ استمر حتى القرن العشرين.

لعل أشهر خرافة حول الضبع هو الادعاء أنه “لا يتم دفن الضبع إلا بوجود الشرطة أو الدرك ومحضر قضائي” وذلك لأن جلده ومُخه وترياقه وبوله يستخدم في كذا وكذا وكونه يطلق رائحة تسيطر على الإنسان وتجعله تتبعه رغماً عنه وما إلى ذلك من جملة الخرافات والأساطير غير الصحيحة بشأن الضبع.

 

الضباع والبشر

يحدث مراراً وتكراراً أن تهاجم مراعي الماشية وتقتل الحيوانات الأليفة. كما تقتل المرقطة منها الناس أحياناً، على سبيل المثال أولئك الذين ينامون دون حماية في الهواء الطلق. وقد وردت عدة بلاغات عن دخول الضبع المخطط المقابر ونبشه الجثث وأكلها. لهذه الأسباب، غالباً ما يتم ملاحقتها وصيدها.

سبب آخر لصيدها هو عن قوى الشفاء المنسوبة إلى أجزاء مختلفة من جسم الضبع. وحتى الأربعينيات من القرن العشرين، كانت قبائل الطوارق تقوم بتسمين وأكل النوع المخطط منها، وهي ممارسة عُرفت لدى المصريين القدماء في مصر، الذين أسموا الضبع (حثت). ومن ضمن التهديدات الأخرى للضباع هي تدمير موطنها بسبب النشاط البشري.

جميع أنواع الضباع آخذة في التدهور، باستثناء ذئب الأرض، الذي يميل إلى الرعي على نطاق واسع، مما يضمن له زيادة أنواع النمل الأبيض، وبالتالي يمتلك مخزون غذائي وافر. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي عدد أنواعه المختلفة حالياً تصل إلى:

  • من 2,7000 إلى 4,7000 مرقط.
  • من 5,000 إلى 8,000 بني.
  • من 5000 إلى 14,000 مخطط.
  • وعدة آلاف على الأقل من ذئب الأرض.

ويضع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة النوع المخطط والبني منها على أنه “قريب من التهديد بالانقراض”، بينما يصنف الذئب والنوع المرقط على أنه “أقل قلقاً”.

 

الضبع عند العرب

عرف العرب الضبع بأنه ماكر غدَّار لا أمان له، حيوان ذو رائحة كريهة، بشِعُ المنظر، يقتات على الجثث وقد تعددت أسمائه وألقابه فهو: جيأل وجعار والزبال وحفصة وجمع ضبع هو: ضباع وأضبع وضباعين ويُقال للأنثى ضبعانة وكناية الضبع هي: أم عامر، أم نوفل، أم القبور، أم طريق، أم نوفل وأوس الذئب هي اسم أنثى الضبع وأبو عامر، أبو كلدة، أبو الهنبر للذكر ويُسمى صغير الضبع بالفُرْعُل وجمعه فراعل وفراعلة.

وبيت الضبع يُقال له “وِجَارُ” وهو في اللغة أيضاً الحفرة التي يصنعها السيل وكانت العرب تقول (أصابنا وِجَارُ الضبع) كناية عن اشتداد المطر.

وعن أصل لقبه بأم عامر، ما جاء في رواية البيهقي في كتابه “شُعَب الإيمان”، التي ذكر فيها قصة الضبعانة التي لجأت إلى خيمة أعرابي هرباً من صيادين طاردوها، فمنعهم الأعرابي عنها لأنها لجأت له ولما رأى عليها مظاهر الإعياء، قدم لها حليباً وماءً فشربت وارتوت منهما ولما استعادت قوتها وثبت على الأعرابي بينما هو نائم، وهو الذي أجارها وأطعمها، فمزقت أحشائه وشربت من دمه ورحلت، وعندما جاء ابن عم هذا الأعرابي ووجده على هذه الحال، علم أن هذا من فعلها، فتبع آثارها حتى وجدها فقتلها وأنشد يقول:

ومَنْ يَصنَعُ المَعروفَ مَع غَيرِ أهلِهِ *** يُلاقي كَما لاقى مُجيرُ أُمِّ عامِرِ

وفي كتاب “مَجْمَعُ الأمثال”، للأديب أبو الفضل الميداني النيسابوري، ذكر أن الضبع ضُرب به المثل في الحماقة، فيقال “أَحْمَقُ مِنَ الضَّبع”، عن الضبع الذي أخذ يشرب من ماء غدير ويتمنى أن يصير لبناً حتى انفجرت بطنه.

ويُضيف مدللاً على حماقة الضبع، أن الصياد إن أراد صيد أم عامر تبعها إلى جحرها، فيقول لها “خامري أم عامر” أي اسكني ونامي فيربطها بحبل من عرقوبها وهي لا تقاوم.

كذلك ضربت العرب بالضبع المثل في الفساد، لأنها إذا هاجمت الغنم تفتك بها، كما لا تفتك بها الذئاب ولذلك كانت تدعو قائلة، “اللهم ذئباً وضبعاً” لأنه إذا اجتمع أحدهما مع الآخر، تشاجرا، فيمنعان بعضهما عن الفتك بالغنم.

وفي الأمثال الشعبية، يُقال (سَبْع ولَّا ضَبع) بمعنى رابح أم خاسر، كَون السبع يفوز بالفريسة ويأكل لحمها فهو رابح، بينما الضبع يقتات على بقاياها وعظامها فهو خاسر.

من أشهر من حمل لقب الضبع في العصر الحديث، الأميرالاي “السيد طه”، الذي لُقِّب “بالضبع الأسود” و”ضبع الفالوجة” حينما كان قائداً للواء المصري الرابع خلال حصار الفالوجة، في حرب فلسطين عام 1948م لمكره بالعدو.

قد يعجبك أيضاً
أكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك، ويمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت. حسناً قراءة المزيد