كرة القدم
كرة القدم لم تَعُد مجرد لعبة يتسلَّى بها الناس أو رياضة يمارسها البعض بغرض التحسين من قدرة الجسد، ذلك أنها قد أصبحت أحد الرياضات المهمة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإن إغفال هذه الحقائق يعني عدم إدراك الواقع الذي تعيشه هذه الرياضة اليوم بوجه خاص والقرن الحادي والعشرين بوجه عام.
تاريخ كرة القدم
عند الحديث عن تاريخها فإنها تضرب بجذورها في أعماق التاريخ حيث يمتد تاريخها إلى ما قبل الميلاد وتشير الدراسات والاكتشافات والحفريات إلى أن ظهورها يرجع إلى ما يقارب ثلاثة آلاف سنة، وهذا يعني أنه قد تمت ممارستها قبل الميلاد بما يقارب ألف عام.
ويعد الصينيون أول من مارسوا هذه اللعبة، حيث مارسوها قبل الميلاد ب 2600 سنة، وقد كان لديهم عادات غريبة بعض الشيء فيما يتعلق بممارسة هذه اللعبة حيث كانوا يقدمون الولائم وأطيب الأطعمة للفريق المنتصر، بينما كان يتعرض الفريق المنهزم لعقوبات شديدة منها الجلد.
وقد انتقلت إلى اليابانيين المجاورين للشعب الصيني حيث مارسها اليابانيون قبل الميلاد بما يقارب 600 سنة، وهي الفترة التي بدأ فيها سكان اليونان يمارسون كرة القدم، أما المصريون القدماء فقد عرفوها قبل الميلاد بما يقارب 300 سنة.
وما سبق يؤكد أنه قد تمت ممارستها بشكل كبير في فترات تاريخية متقدمة حيث عرفتها الشعوب في أغلب دول العالم غربًا وشرقًا وشمالًا وجنوبًا، وهو ما يؤكد أنها تضرب بجذورها في أعماق التاريخ.
إلا أن هناك بعض الروايات التي تذكر أن أول من مارسها هم الإغريق وذلك عن طريق قطع رؤوس أعدائهم في الحروب واللعب بها على هيئة الكرة ولعل هذه الصورة من الصور المخيفة والمفزعة لممارسة هذه اللعبة.
ومن الطبيعي أن اللعبة كان تمارس بطرق وأساليب مختلفة عن الطرق والأساليب التي نعرفها اليوم، وقد تطورت أشكال ممارستها حتى كان القرن الحادي عشر الميلادي وهو التاريخ الذي بدأت تُمارَس فيه بصورتها المعروفة الآن، وكان ذلك عام 1016م.
ويرجع الفضل في إحياء هذا النشاط الرياضي إلى الإنجليز الذين مارسوا هذه اللعبة لكن بطريقة قد تكون مخيفة بعض الشيء، ذلك أنهم كانوا يلعبونها فيما بينهم أثناء احتفالهم بتحرير بلادهم من الفايكنج الدنماركيين الذين احتلوا بلادهم.
وقد كان الإنجليز يلعبون الكرة بأجساد الدنماركيين، وقطعًا فإنهم كانوا يلعبون بأقرب أعضاء الجسد وأكثرها شبهًا بالكرة، في واقع الأمر أنهم كانوا يلعبون برؤوس الدنماركيين، ولا يخفى أن رياضة هذا حالها تدعو للخوف والذعر من مجرد التفكير في كيفية ممارستها.
وهناك تشابه بين قيام الإنجليز بلعبها برؤوس الدنماركيين وقيام الإغريق بلعبها برؤوس ضحاياهم، ولعل الإنجليز قد سمعوا بما كان يفعله الإغريق فقلَّدوهم في طريقة اللعب، وعلى أي حال فإنها بهذه الطريقة كانت لعبة وحشية ومخيفة.
ولأن الطريقة التي لُعِبَت بها على الطريقة الإنجليزية كانت مخيفة بعض الشيء تدعو للحذر منها، فإن ممارستها كانت تُمنع في بعض الفترات التاريخية في المملكة المتحدة، وفي بعض الأحيان تم سن بعض القوانين التي تعاقب بالسجن على ممارسة اللعبة.
يَظهر مما سبق أن المملكة المتحدة كانت الموطن الأول لممارسة هذه اللعبة، وانتقلت اللعبة من الأراضي البريطانية إلى دول العالم الأخرى، وبما أن المملكة المتحدة كانت مهداً لها في العالم وبصورتها المعروفة، فإنها أيضًا أول من اهتمت بها وأنشأت نوادي كرة القدم المعنية باللعبة، كما وضعت القوانين التي تنظم اللعبة على يد الإنجليز.
ففي عام 1710م ظهرت اللعبة في المدارس الإنجليزية، وهذا يعني أن الاهتمام بها قد ظهر مبكرًا في العصر الحديث، وفي عام 1857م تم تأسيس نادي شيفيلد البريطاني وكان أقدم نادي كرة قدم في العالم، بعد ذلك بخمس سنوات وتحديدًا في عام 1862م تم وضع أول قوانين كرة القدم.
وقد شهد عام 1872م أول مباراة دولية رسمية في تاريخ كرة القدم وكانت بين منتخب إنجلترا ومنتخب اسكتلندا ومن الطبيعي أن تكون أول مباراة في بريطانيا ذلك أنها أول من لعبتها بصورتها المعروفة الآن، وجدير بالذكر أن المباراة قد انتهت بين المنتخبين بالتعادل السلبي وحضرها أربعة آلاف مشجع دفع كل واحد منهم شيلينج إنجليزي مقابل حضوره المباراة التاريخية.
إن ما سبق يؤكد أنها من الألعاب التي وجدت في العالم منذ فترات طويلة، حتى إنها قد ظهرت قبل الميلاد بما يزيد عن خمسمائة سنة، ويظهر مما سبق أيضًا أنها من الألعاب الجماعية التي مارستها الأمم المختلفة حتى جاء الإنجليز فطوَّروها بشكل كبير.
لدرجة أنها تمارس اليوم تقريبًا بنفس الطريقة التي كانت تمارس بها قديمًا مع الاختلاف في بعض القوانين التي تم إضافتها للعبة ما أضفى عليها تشويقًا وإثارة كبيرين. ومن الجدير بالذكر أن ممارسي هذه الرياضة في العصور السابقة كانوا في الغالب من الطبقة الأرستقراطية وهم الطبقة المتوسطة.
وفي ذكر التطور الكبير الذي شهده تاريخ اللعبة فقد قام الإنجليز في عام 1891م بوضع كافة التشريعات والقوانين المنظمة لها كما وضعوا القوانين المنظمة للاحتراف وتأسيس الأندية والفرق الرياضية، وشهد عام 1904م تأسيس أول اتحاد دولي لكرة القدم حيث تم تأسيسه في فرنسا.
وقد قام الفرنسيون بتأسيسه في باريس، ويعرف هذا الاتحاد في الوقت الحالي بالاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وهو الاتحاد المسؤول عن تنظيمها حول العالم وتنظيم البطولات الدولية الكبرى وعلى رأسها بطولة كأس العالم، وكأس العالم للأندية وكأس القارات وغيرها من البطولات الكبرى التي تتبارى فيها منتخبات العالم ويسعون لتحقيق البطولات والألقاب الكبرى.
بعد تأسيس الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا انتقل مقره إلى مدينة زيورخ السويسرية بعد أن كان في باريس وما زال موجودًا إلى اليوم في زيورخ، وقد شهد تأسيس الاتحاد الدولي طفرة كبيرة في انتشارها، حيث بدأت اللعبة تنتشر في أغلب أنحاء العالم.
حيث انتشرت في دول أوروبا كهولندا وإسبانيا والبرتغال والنرويج وبلجيكا وانتقلت كذلك إلى دول أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا وبدأت نوادي كرة القدم تظهر في مختلف بلدان العالم وأصبحت من الألعاب صاحبة الشعبية الكبيرة، لدرجة أنها صارت اللعبة الأولى صاحبة الشعبية العالمية.
دورها السياسي
أضحت اليوم أكثر من مجرد لعبة، ذلك أن بها أبعادًا متعددة تتجاوز مجرد ممارسة الرياضة، وهناك بعض الأحداث التاريخية التي أكدت هذا المعنى، ذلك أنها صارت وثيقة الصلة بالسياسة، لدرجة أن حربًا قامت بين بلدين بسبب مباراة، وقد عرفت هذه الحرب بحرب كرة القدم.
وهي حرب اندلعت بين دولة السلفادور ودولة هندوراس عام 1969م واستمرت أربعة أيام وراح ضحيتها الآلاف من الضحايا وكل ذلك بسبب مباراة، وترجع أحداث النزاع بين البلدين إلى أنهما كانا يسعيان إلى التأهل إلى كأس العالم 1970م وقد فازت الهندوراس في المباراة التأهيلية الأولى، وفازت السلفادور في المباراة الثانية، وبقيت مباراة فاصلة بينهما وهي المباراة الثالثة.
وقد استطاعت السلفادور الفوز في تلك المباراة، وتأهلت لكأس العالم، ولأن الأجواء كانت مشحونة بين البلدين وقعت الحرب بعد انتهاء المباراة بثلاثة أسابيع، وتسببت في خسائر فادحة للجانبين، وبهذا كانت مباراة هي السبب في اشتعال النزاع المسلح بين الدولتين والتسبب في آلاف الضحايا.
بُعدها الاقتصادي
كما تلعب هذه الرياضة دورًا كبيرًا في السياسة العالمية فإنها تؤثر بشكل بالغ أيضًا على الاقتصاد العالمي، ويكفينا أن نجري إحصائية على حجم اقتصاديات هذه اللعبة في العالم، إن القيم السوقية لبعض الأندية العالمية تقدر بالمليارات، حيث تتجاوز القيمة السوقية لنوادي مثل برشلونة وريال مدريد الإسبانيين ومانشستر يونايتد الإنجليزي ثلاث مليارات دولار لكل نادي منهم، وهذا يعني أن القيمة السوقية لهذه النوادي تعادل ميزانيات دول بكل ما فيها.
وفي المقابل نجد أن هناك بعض اللاعبين الذين يحصلون على مبالغ مالية خرافية، وتبلغ قيمتهم السوقية مئات الملايين، وقد بلغت القيمة السوقية للاعب الفرنسي من أصل إفريقي كيليان مبابي 290 مليون دولار أمريكي.
بينما بلغت القيمة السوقية للاعب الإنجليزي رحيم سترلينج 218 مليون دولار أمريكي ما يعني أن لعبة كرة القدم قد تجاوزت فكرة الرياضة إلى الصلة الوثيقة بالاقتصاد، ولا نكون مبالغين إن قلنا إنها اليوم لعبة اقتصادية بشكل كبير كما أن كثيرًا من اقتصاديات الدول تقوم عليها.