علم النفس

علم النفس

علم النفس هو أحد أبرز العلوم التي شهدت اهتمامًا كبيرًا من علماء الشرق والغرب، وقد حاز هذا العلم على الاهتمام الكبير لتعلُّقه بالنفس البشرية، حيث يبحث هذا العلم في أحوال النفس البشرية وكيفية تقويمها والارتقاء بها، وهذا يؤكد أن علم النفس من أهم العلوم الإنسانية على الإطلاق، وفي هذا المقال سنتعرف عن قرب على هذا العلم.

مفهوم علم النفس

ترجع أصول كلمة علم النفس إلى اللغة اليونانية، وقد انتقلت الكلمة إلى اللغة الإنجليزية تحت اسم (Psychology)، وهذا يعني أن أصل الكلمة أجنبي لكنها قد دخلت إلى اللغة العربية من خلال تعريبها، وقد عرف علم النفس تعريفات متعددة يجمعها تعريفه بأنه العلم الذي يدرس الظواهر النفسية، ولا شك أن الظواهر النفسية متعددة بتعدد الشخصيات والأفكار والانطباعات ومن أبرز الظواهر النفسية ما يلي:

• العمليات المعرفية العقلية: ويقصد بها تلك العمليات وثيقة الصلة بعمل الدماغ كالذاكرة واسترجاع المعلومات وتكوين المشاعر وغير ذلك، ومن العمليات السابقة ما هو معقَّد، ومنها ما هو بسيط، ومن أمثلة العمليات العقلية المعقدة الإدراك والذكاء والتعلم، ومن أمثلة العمليات العقلية البسيطة الإحساس والحركة.

• سِمات الشخصية: ويقصد بها صفات الشخصية وانفعالاتها.

• علاقات السلوك الإنساني: لا شك أن السلوك الإنساني له أبعاد متعددة ومن أبرز تلك الأبعاد عملية الاتصال بين الآخرين ويلعب هذا العلم دورًا كبيرًا في دراستها والتعرُّف على أبعادها، ما يؤكد أن هذا العلم بالغ الأهمية حيث يدخل في دراسة كثير من المسائل كما أنه وثيق الصلة بعلوم أخرى كعلم الاجتماع والفلسفة.

ويمكن القول إن هذا العلم وثيق الصلة بجميع العلوم الإنسانية، وهي العلوم التي تُعنَى بدراسة الإنسان وتحليل أبعاد شخصيته والبيئة المحيطة به وتفاعله معها وتأثيرها فيه.

أهمية علم النفس

عند الحديث عن أهمية علم النفس فإنه بالغ الأهمية في حياة الأفراد والمجتمعات على السواء، فلا يمكن لنا دراسة شخصيات الأفراد وسلوكهم بدون هذا العلم، كما أن لديه القدرة على دراسة وقياس الاتجاهات والمواقف التي يتم اتخاذها في المجتمعات البشرية.

ويمكن القول إن أهميته تكمن فيما يلي:

• التحكم بسلوكيات الأفراد وتوقُّع حدوثها: من أبرز النقاط التي تؤكد أهمية علم النفس أنه يسعى إلى التحكم بسلوكيات الأفراد وتوقع حدوثها، ذلك أنه يدرس النفس البشرية فهمًا عميقًا ويستطيع الوصول إلى نتائج يكون لها بالغ الأثر في ضبط السلوك البشري وتوقُّع المواقف التي تصدر عن الإنسان.

• دراسة أنواع السلوك البشري: يضطلع هذا العلم بدور كبير في دراسة أنواع السلوك البشري، ولا يكتفي يذلك بل يدرس السلوك الحيواني، وإذا جاز لنا أن نعتبر الطب يدرُس الجسد ويعمل على علاج الأبدان، فإن هذا العلم يدرس النفوس وأنواع سلوكها.

• مساعدة الأفراد على اختيار طرق التفكير المفيدة: من أهم ملامح أهمية هذا العلم أنه يقوم بدور كبير في مساعدة الأفراد على اختيار طرق التفكير الصحيحة وتقويم أفكارهم، ولا شك أن هذا الأمر يتحقق نتيجة الدراسة المتأنية للنفس البشرية والسلوك الصادر عنها.

• الأهمية العلمية: لعلم النفس أهمية كبيرة في الحقل العلمي خاصة أنه يساعد الطلاب على تنظيم أوقاتهم ويعزِّز من قدرتهم على التحصيل الدراسي ويمكِّنهم من الاستثمار الأمثل لأوقاتهم ما يكون له بالغ الأثر على تفوُّقهم وتحقيقهم معدلات أداء مرضية، ولا شك أن هذا يتحقق من خلال تأثير علم النفس ومعرفة السلوك البشري والعمل على الارتقاء به على أرض الواقع.

• تقوية العلاقات بين أفراد المجتمع: يقوم هذا العلم بدور كبير في تقوية العلاقات بين أفراد المجتمع لأنه يدرس في الأساس السلوك البشري ويعمل على تقويمه، ولذلك فإن الفرد إذا استطاع أن يُعدِّل من سلوكه، وأن يُحسِّن سلوكه نحو الأفضل، فإنه سيتمكن حتمًا من تقوية علاقته بأفراد المجتمع الآخرين، وهذا فإن علم النفس يُعدِّل السلوك الفردي والمجتمع، ولعل هذا ما يُبرز العلاقة الوثيقة بين علم النفس وعلم الاجتماع.

لقد سبق الإشارة إلى أن علم النفس وثيق الصلة بمجالات كثيرة وهذا يؤكد أن علم النفس يدخل في ميادين متعددة من أبرزها علم النفس العام، الذي يُعد أساس جميع علوم النفس، ويدرس هذا العلم سلوك الإنسان وما يتعلق بتصرفاته، هناك أيضًا علم نفس الطفل، ويركز هذا العلم على دراسة سلوكيات الطفل في جميع مراحل النمو الخاص به. كما أن هناك علم النفس الاجتماعي، ويضطلع هذا العلم بدراسة العلاقة بين الأفراد وجماعة بشرية معينة، وأحيانًا يُدرس سلوك الأفراد داخل مجموعة بشرية معيَّنة لها ما يميزها عن غيرها.

مراحل تطور علم النفس

مرَّ علم النفس بمراحل متعددة، تطوَّر من خلالها حتى أصبح علمًا قائمًا بذاته له أُسُسُه وقواعده التي يقوم عليها، ويتفق الباحثون أن علم النفس قد وُجِد مع الإنسان منذ وجوده على كوكب الأرض، لأنه علم يبحث في النفس البشرية وسلوكها كما سبق الإشارة إلى ذلك. ويذهب بعض العلماء إلى أن علم النفس قد ظهر مقترنًا بالمباحث الفلسفية لدى فلاسفة اليونان، حيث أشاروا إلى السلوك البشري وتعديله وعلاقة الفلسفة بذلك، ومن العلماء الذين تناولوا مسائل علم النفس في مؤلفاتهم سقراط وأفلاطون وأرسطو، ولعل أرسطو من أكثر الفلاسفة الذين اهتموا بهذا العلم اهتمامًا كبيرًا.

ولا يجوز لنا أن نغفل الدور الكبير الذي لعبه علماء المسلمين في تطوير هذا العلم والاهتمام به ووضع نظرياته والتقعيد له، وقد لاحظ العلماء المسلمون أن القرآن الكريم يهتم بالنفس البشرية اهتمامًا كبيرًا وقد حدد الطرق التي يمكن من خلالها تزكية النفس وتطهيرها، ولذلك فإن كلمة النفس قد ذكرت كثيرًا في القرآن الكريم قال تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا. وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا. وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا. وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا‏. ‏وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا. وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا. وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا). سورة الشمس.

وقد قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى). سورة الأعلى، الآية 14-19. ومن خلال هذه التوجيهات فإن العلماء المسلمين قد اهتموا بدراسة النفس البشرية والطرق التي يتم من خلالها تعديل سلوكها، ومن العلماء الذين اهتموا بعلم النفس في مؤلفاتهم ابن سينا أحد أبرز الفلاسفة المسلمين، وأبو نصر الفارابي وأبو حامد الغزالي.

لكن هذا العلم قد شهد تطورًا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين على يد عدد من مُفكِّري الغرب الذين استفادوا بشكل كبير من جهود المسلمين لدراسة علم النفس، ويمكن القول إنه لولا الجهود التي بذلها العلماء المسلمون ما أمكن لعلماء الغرب تطوير علم النفس. ومن أبرز العلماء الغربيين الذين اهتموا بعلم النفس من خلال مؤلفاتهم رينيه ديكارت وهو أحد أكبر فلاسفة وعلماء قارة أوروبا في عصر النهضة الأوروبية والذي استفاد كثيرًا من فلسفة ابن سينا،

ويمكن القول إن علم النفس قد ظل فترة طويلة من الزمن يُبحث ضمن مسائل الفلسفة حتى جاء الألماني فونت في منتصف القرن التاسع عشر، والذي فَصَل علم النفس عن الفلسفة وجعله علمًا مستقلًا بنفسه، ويعد هو المؤسس لعلم النفس الحديث، حيث قام باختراع جهاز لخدمة الأبحاث النفسية السيكولوجية، ومن خلال دراساته التي استمرت لمدة تجاوزت ثماني عشرة سنة استطاع إنشاء أول مختبر للدراسات السيكولوجية.

إن كل ما سبق يؤكد بشكل قاطع أن علم النفس قد مر بتحوُّلات كبيرة على مدار عشرات القرون حتى وصل إلى صورته الحالية التي تؤكد بشكل قاطع أنه من أهم العلوم الإنسانية على الإطلاق.

قد يعجبك أيضاً
أكتب تعليق

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك، ويمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت. حسناً قراءة المزيد